استطلاع - دوان موسى الزبيدي أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ومع ذلك تزداد يوماً بعد يوم نسبة المطلقات في المجتمع، وتكبر هذه النسبة مع كبر حجم المشكلات الزوجية، ولو تساءلنا: لماذا أصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية لافتة للنظر، وتؤرق الكثير من الأسر ويعاني منها المجتمع، تخرب بيوتاً، وتشتت أسراً؟ ما الأسباب الحقيقية التي تقف وراء مشكلة الطلاق المتفاقمة؟ ولماذا تزداد نسبته؟ لو عدنا إلى الأصل في العلاقات الزوجية لوجدنا أنها قائمة على المودة والرحمة، والألفة والمحبة، دع هذا وقل هي قائمة على التفاهم والتفاهم أساس أية علاقة إنسانية والترابط الأسري كله قائم على التفاهم والتواصل والمحبة، كيف نريد لعلاقة زوجية سليمة أن تستمر، ونحن لم نمتن الأساس منذ البداية؟ التفاهم في حياتنا الزوجية يبدأ من الليلة الأولى من الزفاف، ولكن قد لا يتم هذا التفاهم والتراحم والتواصل، فيحدث ما يسمى بالمشاحنات الزوجية، والجفاء طلاق نفسي حيث تفرض العلاقة على الطرفين فرضاً، ومن الليلة الأولى، كما ذكرت، وتستمر العلاقة المفروضة فرضاً إلى أن يبتكر أحد الطرفين طريقة للتخلص من الآخر، وآخر المفاجآت في الطلاق، وتمشياً مع التكنولوجيا الحديثة، أن تبلغ الزوجة عبر الهاتف النقال برسالة تتضمن جملة أنت طالق هذه المفاجآة هي آخر التقليعات، أو الصراعات التي وفدت إلى مجتمعنا مع ثورة الاتصالات، والتطور التقني. * ظاهرة غريبة الراية توجهت إلى فضيلة الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي، عميد كلية الشريعة بدمشق، وأستاذ القانون في كلية الحقوق، والعلامة المعروف، وسألته عن هذه الظاهرة، وهل بمجرد أن تبلغ الزوجة رسالة عبر الهاتف النقال إنها طالق يقع الطلاق؟ يقول فضيلته: هذه الظاهرة غريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والطلاق له شروطه، ومراحله، وقيوده، ومثل هذه الحالة لو وقعت فعلاً.. فإنه لابد أولاً من أن نتأكد أن الزوج هو الذي بعث هذه الرسالة، وإرادته في ذلك، فإن كان كذلك، وقع الطلاق، لأن الكتابة يعتد بها قياساً على إشارة الأخرس، ولابد ثانياً من أن تأخذ المحاكم الشرعية الحيطة والحذر في هذا الموضوع، لأنه يعتبر ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا الإسلامية كما أسلفت. وفي سؤال إلى رئيس المحكمة الابتدائية في المحاكم الشرعية القاضي أحمد علي بن حجر حول هذا الموضوع وفيما إذا كان هناك بعض الأشخاص الذين قاموا بالطلاق بهذه الطريقة، أي عن طريق رسالة عبر الهاتف النقال، أجاب فضيلته: لم تتلق المحاكم الشرعية مثل هذا الطلاق ولم يحدث مثل هذا، وإن حدث، فلابد من أن ترفع الزوجة قضية تشتكي ، فيستدعى الزوج، ويتم التحقيق معه فيما إذا كان هو الذي بعث بمثل هذه الرسالة أم لا؟ وبالتالي لابد من تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالطلاق، البحث في الأسباب هل الزوجة حامل؟ هل هي حائض، أم هي في حالة طهر؟ هل الزوج مصر وبكامل قواه العقلية، وبعيداً عن الانفعال؟ بالإضافة إلى جوانب كثيرة لابد من أخذها بعين الاعتبار. * حسرة على الماضي السيد حسن المالكي مواطن يقول: الطلاق عبر الجوال ظاهرة غريبة، رحم الله أيام زمان، هذا الجيل كل شيء متوقع منه، سبحان الله يصير الطلاق عبر الجوال؟ ما يصير يا أخي.. كنا أيام زمان عندما نقدم على الزواج تحكمنا عادات وتقاليد صارمة لا نعرف الزوجة إلا في ليلة زفافها، ومع ذلك تستمر الحياة الزوجية، وتصبح الزوجة رفيقة العمر، ولابد هنا من تفهم طباعها، وهي بالمقابل تتفهم طباع زوجها، ولابد للزوجة بنت الحلال أن تصبر على طباع زوجها وكذلك الزوج لابد له من أن يصبر على سلوك زوجته وخاصة إذا تم إنجاب أطفال، ما ذنبهم إذا حصل الطلاق؟ * مرحلة أولى والتقت الراية السيد سعد ضيهر مقيم وسألته عن ظاهرة الطلاق عبر الجوال، فأجاب: نعم سمعت بهذه الظاهرة، وأن هناك رسالة يبعثها الزوج عبر الجوال إلى زوجته خاصة إذا كانت موجودة في بيت أهلها، ويوجد بينهما بعض الزعل فمن الممكن أن يرسل لها عبارة عبر النقال أنت طالق ، لكن هل مثل هذا الطلاق يقع؟ حسب معلوماتي لابد من التأكد فيما إذا كان الزوج هو الذي قد أرسل هذه الرسالة، وتنتقل المشكلة إلى المحكمة الشرعية لمعرفة السبب، وإذا أصر الزوج يكون مثل هذا الطلاق في مرحلته الأولى، بحيث يمكن للزوج أن يعيد الزوجة إلى بيت الزوجية، وهو طلاق بينونة صغرى إذ تبين الزوجة عن عن البيت وبعد ذلك يستطيع الزوج أن يعيدها إلى البيت فيما إذا تم التفاهم بينهما. ومن جانبه أكد السيد ناصر الجابري مواطن أن مثل هذا الطلاق يعد تقليعة شبابية، ولا يقع مثل هذا الطلاق إلا إذا تم تأكيده من قبل الزوج، وأعتقد أن هذه الظاهرة موجودة في دول الخليج، وسمعت بها، لكن هل وصلت إلى المحاكم الشرعية أم لم تصل لا أعلم؟ كل ما في الأمر فإن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، وإذا وقع فإن له مراحله وشروطه، وإذا تعذر الأمر في حل الخلاف في المحكمة فلابد من التحكيم، وأقول لابد أن يصبر الزوج على طباع زوجته، ولابد للزوجة أن تصبر على طباع زوجها وتتفهمه حتى تستمر الحياة الزوجية، لأن الطلاق كارثة تحل بالأسرة، وأول الضحايا في هذه الكارثة هم الأطفال الأبرياء. * حماقة واستهتار لكن السيد عارف قصاب مقيم .. يقول: إن مثل هذا الطلاق إذا وقع، فإنه حماقة يرتكبها الزوج بحق زوجته، لأنه يستهتر بالحياة الزوجية، وبهذا الرباط المقدس، كيف يتم الطلاق عبر الهاتف النقال بعبارة أنت طالق ؟ ما هذا الاستخفاف بالزوجة، الزوجة ليست سلعة تستبدلها متى ظئت، لابد من أن تكون هناك أسباب موجبة للطلاق حتى يقدم عليه الزوج، أو الزوجة والطلاق ليس فيه مزاح ، بل هو جد في جد، ولابد من أخذ الحيطة والحذر في التلفظ بمثل هذه العبارات أو كتابتها عبر رسائل الجوال.. الأمر ليس بهذه السهولة وليس لعبة يلعب بها الزوج أو الزوجة متى يشاءان؟ لابد من خطوات قبل الزواج حت ىستطيع أن يتفهم الزوج زوجته هناك مرحلة الخطوبة، وتليها مرحلة الزواج، وتعقب المرحلتين خطوات تفاهم بين الاثنين فتتوثق عرى الحياة الزوجية ويصبح كلا الزوجين حريصاً على مصلحة الآخر وإذا كان هناك أولاد، فإن مصلحتهم أولى أن تراعى، الحياة الزوجية قائمة على المودة والمحبة والرحمة، والله سبحانه وتعالى جعل الطلاق من أبغض الحلال إليه حتى لا يلجأ إليه الإنسان إلا مضطراً، وإن هناك موجبات للتفريق، يا أخي حتى المحكمة الشرعية، لا تفرق بين الزوجين مباشرة إلا بعد مراحل، وحين يتعذر الحل، فسبحان الله كيف يلجأ مثل هؤلاء الأشخاص إلى مثل هذه الطريقة الغريبة في الزواج؟ * كلمة سحرية وفي نهاية المطاف تقول إحدى الباحثات الاجتماعيات في مشكلة الطلاق: الحياة الزوجية بناء متكامل راسخ، لا يهدم بكلام عابر، ولا يؤخذ الكلام على عواهنه، ومثل هذه الظاهرة تعد دخيلة على مجتمعنا، ولذلك لابد من أن يعود الأزواج المتخاصمون إلى المحبة، فهي علاجهم، ووجدت هذه الكلمة السحرية لفض خلافاتكم وخصوماتكم، أليس الحب مصدر سعادتنا ووقودها الخالد؟ ولا أريد أن أدلل على ذلك من أن الحب أوكسجين الحياة الأسرية، وأن المحبة هي تلك التي تتردد في زقزقة العصافير، وحفيف الأجنحة، وأنين الأوتار، وخفقان القلوب، بل هي همس الروح للروح، ودفء الجسد إلى الجسد، ومناجاة النفس إلى النفس، ولو جرد العالم منها لأصبح الكون فراغاً والحياة مملة، أليس الحب نعمة من الله ينشرها في قلوب الناس، ومنهم الأزواج لتصبح علاجهم تباً لهذه الحياة المادية التعيسة التي جرت على مجتمعاتنا الويلات، فبدلاً من أن يرسل رسالة عابثة من هذا النوع أنت طالق ، لماذا لا يرسل الزوج لزوجته عبارة شكر، ومحبة، ومودة بديلة لهذه العبارات التي هي بداية لهدم الأسر، وتشريد الأطفال.

المراجع

www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=1081موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث