لا يكفي أن يلتقي الرئيس محمود عباس بخالد مشعل في القاهرة، حتى يَطويَ الفلسطينيون صفحة الانقسام المريرة، ويدشنون صفحة جديدة من الوحدة والوئام..المسألة أكثر تعقيداً مما يُظن، وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود والمبادرات..ولست من أنصار اللقاء لمجرد اللقاء، خصوصاً بعد مسلسل الفشل والخيبات السابق، وأفضل التريث في ترتيب اللقاء، لتفادي احتمالات الفشل المفضي للإحباط والتلاوم والتباعد.
ولا يكفي القول أن لدينا وثائق القاهرة والدوحة الموقعة مسبقاً، وأن كل ما ينقصنا هو الشروع في الترجمة..وجود هذه الوثائق لم يمنع آخر محاولة للمصالحة من الانهيار، وثمة ركن غائب عن الوثائق المذكورة هو “البرنامج السياسي”، وقد ثبت بالملموس أن وحدة وطنية بلا رؤية واستراتيجية وبرنامج سياسي، ستكون ضرباً من المحاصصة وتوزيع المغانم، فضلاً عن أنها وحدة هشة، سرعان ما تتعرض للانهيار من أول هزّة.
ثمة مساران للمصالحة الفلسطينية، الأول إجرائي، ويتعلق بتشكيل الحكومة والانتخابات وإجراءات بناء الثقة والمصالحة المجتمعية وغير ذلك مما تضمنته اتفاقات القاهرة بشكل واضح..والمسار الثاني، سياسي، ويتعلق بالحاجة لصياغة رؤية برنامجية مشتركة واستراتيجية عمل توافقية بين مختلف الأطراف، وهذا غير متوافر في وثائق القاهرة، ولم يحاول الفلسطينيون البحث فيه أصلاً، لقناعة منهم بأن الوصول إلى توافق يجمع الرؤيتين والبرنامجين أمر متعذر، ما دفعهم لسلوك “طرق التفافية” حول هذا الخلاف بدل معالجته.
اليوم، ونحن نواجه واحدة من أهم الفرص لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، يجب التفكير جدياً بطريقة مختلفة..فلا يجوز على سبيل المثال، إرجاء أي خطوات على طريق المصالحة إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي يشتمل على الرؤية والبرنامج وأدوات، من يتحدث بهذه الفكرة، يقامر بتبديد فرصة ثمينة لاستعادة المصالحة واستئناف الوحدة...كما لا يجوز أن تأخذنا اللحظة والانفعال بإنجاز هذه الخطوات الإجرائية، فنكف عن محاولة اشتقاق برنامج ورؤية موحدين.
بالإمكان الشروع في تكسير حواجز الانقسام، في الوقت الذي يجري فيه العمل لشق طريق التوافق على قاعدة سياسية صلبة..دعونا نخرج من حكاية ما الذي يتعين فعله أولا: تشكيل حكومة الوحدة أم السماح للجنة الانتخابات العمل في قطاع غزة؟...تشكيل الحكومة لا يجب أن يتعطل، وجود حكومتين، مقالة وتصريف أعمال، سيكرس مظهر الانقسام، وتشكيل حكومة الوحدة سيفتح الباب رحباً لتنفيذ جملة من الخطوات في الاتجاه الصحيح، من بينها تمكين لجنة الانتخابات من أداء عملها، واتخاذ سلسلة من إجراءات بناء الثقة وإنهاء هذه الثنائية (الضفة/فتح..غزة/حماس)، سيكون ممكنا بعد تشكيل الحكومة، تكسير الحواجز والاستقطاب والثنائيات القاتلة في الحالة الفلسطينية.
لكن صمود الحكومة وإعادة هيكلة السلطة والمنظمة، بحاجة لبرنامج سياسي كما أسلفنا، تلتزم به مختلف القوى والفصائل...هذه المهمة لا يتعين تأجيلها حتى إشعار آخر...يمكن إطلاق ورشة عمل سياسية على خط موازٍ، وبالتزامن مع تشكيل الحكومة، من أجل بلورة هذا البرنامج وبناء التوافق الوطني من حوله...لا يتعين لمهمة من هاتين المهمتين أن تنتظر الأخرى، يمكن السير في إنجازهما معاً.
قد يقول قائل، أن تشكيل الحكومة بحاجة لبرنامج سياسي...لقد جرى التوافق الفلسطيني من قبل على أن “السياسة” من مهمة منظمة التحرير، وأن الحكومة ستختص بالإدارة والخدمات وأحوال الناس ومعاشهم، ويكفي أن يتضمن برنامج عمل الحكومة الشعارات العامة والرئيسة الناظمة لكفاح شعب فلسطين، حتى يصبح أمر تشكيلها ممكناً.
يبدأ مسار إنهاء الانقسام عندما تنسحب من التداول عبارات من نوع: حكومة الأمر الواقع والحكومة المقالة وحكومة تصريف الأعمال...لكن مسار بناء الوحدة، لن يبدأ قبل أن تنجح القوى الفلسطينية في إنجاز رؤية سياسية موحدة وبرنامج عمل مشترك..فهل سيعمل الفلسطينيون على هذين المسارين بالتزامن والتوازي؟..أم أن “نظرية أيهما أسبق، الدجاجة أم البيضة” هي التي ستحكم سلوكهم في المرحلة المقبلة؟
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور