أياً تكن الظروف التي لابست عودة الحديث عن “الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية”، وسواء صحت الأنباء عن فتح هذا الملف في بعض الأوساط القيادية الفلسطينية أم لا..فإن إثارة هذا الموضوع وفي هذا التوقيت بالذات، ليس أمراً صائباً، والمؤكد أنه لا يخدم مصالح أحد، لا الفلسطينيين ولا الأردنيين.

من حيث التوقيت، جاء “تحريك” مسألة الكونفدرالية بُعيد حصول فلسطين على مكانة “الدولة غير العضو” في الأمم المتحدة، وفي ذروة انسداد المسار التفاوضي..وفي ظل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، الأمر الذي يعيد طرح جملة من الأسئلة والتساؤلات: هل “الكونفدرالية” هي السبيل لإنعاش المسار التفاوضي، هل هي السبيل لإقناع إسرائيل بالتخلي عن احتلالها لصالح دولة قائمة (الأردن) وليس دولة مفترضة أو ناشئة (فلسطين)، هل يُراد الاستعانة بـ”الثقل الأردني” من أجل إقناع الإسرائيليين بالاستجابة لمتطلبات عملية السلام واستحقاقاتها؟

ومن زاوية الأولويات: هل يمكن الحديث عن الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين، في ظل الانقسام الفلسطيني أم أن الأمر بحاجة لانتظار استعادة الوحدة واستئناف المصالحة..لمن الأولوية في المدى المنظور؟..ومن هي الجهة الفلسطينية المخوّلة بالحديث عن الكونفدرالية أو البت بأمرها؟..هل ثمة توافق فلسطيني حول هذه المسألة، أم أننا سنكون أمام مصدر جديد للخلاف والتباين والجدل؟.

ومن الزاوية الأردنية، هل ثمة جديد طرأ على الموقف الأردني الرسمي (ومن قبل الشعبي) من مسألتي الفيدرالية والكونفدرالية؟.. ولماذا تثار المسألة بعد زيارة الملك عبد الله الثاني لرام الله؟..هل ثمة توافق وطني أردني حول مسألة الفيدرالية والكونفدرالية مع فلسطين؟..ألا يدرك من يتحدث عن الكونفدرالية أن ثمة مياه كثيرة قد جرت في نهر الأردن، منذ أن كانت الفيدرالية والكونفدرالية، سياسة عليا للدولة الأردنية؟.

تاريخياً، طُرحت الفيدرالية و”الكونفدرالية” كتتويج لمسار بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وكان الخطابان الرسميان (الفلسطيني - الأردني) يشددان على إقامة نوع من العلاقة الكونفدرالية بين دولتين سيدتين مستقلتين، على أن تكون علاقة طوعية، وبعد استفتاء شعبي هنا وهناك على ضفتي الأردن...اليوم، يبدو أن طرح الكونفدرالية بات يأتي في سياق “تسهيل ولادة الدولة الفلسطينية” وليس بعد قيامها على أرضها وعاصمتها...وغني عن التأكيد أننا أمام سياقين مختلفين.

الدولة الفلسطينية لم تقم بعد..والاعتراف بها دولة غير عضو، لا يعني قيامها..والعالم يتجه للإقرار بأن “حل الدولتين” بات وراء ظهورنا ولم يعد أمامنا..والأردنيون والفلسطينيون يدركون تمام الإدراك، أن حكومات اليسار واليمين في إسرائيل، جعلت قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، خياراً متعذراً...فما الذي يعنيه أو يفضي إليه، خيار “الكونفدرالية” هذا؟.

في ظني، وليس كل الظن إثم، أن عودة الحديث عن الكونفدرالية من جديد، إنما يندرج في سياق التحضير لاستئناف مسار المفاوضات..والبحث عن صيغ جديدة ومرجعيات ومنظومة ضمانات (لإسرائيل طبعاً)، مغايرة لكل ما حصل حتى الآن، وجديدها هذه المرة، جلوس الأردن داخل غرف المفاوضات وليس خارجها أو بعيداً عنها..والأرجح أن خياراً كهذا، قبل قيام الدولة على الأرض، إنما يراد به، تعظيم التطمينات والضمانات، التي يمكن أن تبحث عنها إسرائيل وتطلبها، على أمل إقناعها بالجلاء عن الأراضي المحتلة.

الكونفدرالية، بل والفيدرالية، ستكون مطلباً ملحاً للشعبين الفلسطيني والأردني على حد سواء إن هي استكملت شروطها: (1) أن تنشأ بعد قيام الدولة الفلسطينية على أرضها وعاصمتها وليس قبلها..(2) أن تنشأ بالإرادة الحرة والطوعية التامة للشعبين، وليس بالضد من إرادة أي منهما...(3) أن تحفظ الهوية الوطنية لكل منهما، وأن تنشئ قواعد صلبة لنظام سياسي ديمقراطي تعددي، ترتضي به مختلف المكونات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية على ضفتي “الكونفدرالية”..(4) أن تحفظ استقلال وسيادة الكيان الجديد، أو الكيانين المنضوين في إطاره، خصوصاً عن إسرائيل، فلا تكون الكونفدرالية مجالاً حيوياً مباشراً أو غير مباشر، للتوسعية الصهيونية، أمنياً واقتصادياً واستراتيجياً.

قبل أن يتحدث أي مسؤول فلسطيني عن كونفدرالية أو غيرها، عليه التفكير ملياً في كيفية توحيد الشعب الفلسطيني، ومؤسساته وسلطته ومنظمته وأجهزته وإرادته السياسية والنضالية...قبل أن يتحدث أي مسؤول فلسطيني عن خيارات إستراتيجية من هذا النوع، عليه التفكير جدياً في بناء المؤسسات التي بمقدورها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم “التاريخي”..من دون ذلك، يكون طرح الكونفدرالية في هذا التوقيت، بمثابة وضع للعربة أمام الحصان، حتى لا نقول تخريب للعربة وقتل للحصان.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور