من المسؤول عن الفوضى التي تجتاح مصر بعد مرور عامين على انتصار الثورة..عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي الإخواني السابق، والمرشح الرئاسي الوازن، أجاب على هذا السؤال بتحميل الجميع وزر الفوضى وحالة الانهيار التي تعيشها مصر، سيراً على نظرية “تجهيل الفاعل”..قال بمسؤولية الرئيس مرسي والمعارضة، وحمّل جهات إقليمية مسؤولية التورط بزعزعة استقرار مصر، ولم يدلنا على “قسطه وحزب مصر القوية من المسؤولية عن الأزمة”.

لو أن الرئيس و”إخوانه” اتبعوا مقاربة احتوائية منذ استوائهم على عرش الأغلبية البرلمانية والرئاسة المصرية، لما آل حال مصر إلى ما آل إليه..لكنهم آثروا الهيمنة والاستفراد والاستئثار والإقصاء..حاربوا المعارضة وأسموا قادتها بـ”المتربصين”..حاولوا السيطرة على الإعلام وطاردوا رموزه وقنواته وصحفه عبر القضاء..شنّوا حرباً شعواء على القضاء بهدف تطويعه وحاصروا المحكمة الدستورية حتى يومنا هذا..حاولوا تمرير قوانين لتحصين الرئاسة ومنع الاجتماعات العامة..فرضوا دستوراً على مقاسهم، ووفقاً لنظرية “المغالبة لا المشاركة”..ظنّوا أن مصر يمكن أن تحكم بأسلوب “السمع والطاعة” الذي اعتادوا عليه..بيد أن جميع رهاناتهم طاشت، وها هي مصر تقف اليوم على عتبة المفترق الأكثر خطورة في تاريخها، بل وتتجه نحو العنف والفوضى، ويكفي أن يطالب أهل بورسعيد بالانفصال في دولة مستقلة، برغم عدم جدية المطلب والشعار، لكي يتسرب القلق إلى أعمق أعماقنا حول مصير مصر تحت حكم الإخوان.

نحن لا نبرئ الفلول ولا المعارضة من قسطيهما من المسؤولية عن الأزمة الوطنية العامة التي تعتصر مصر..لكنها مسؤولية المحكوم التي لا تقارن أبداً بمسؤولية الحاكم، الذي بيده مفاتيح الحل والعقد والربط..لا تقارن أبداً بمن يمتلك الشرعية والأغلبية وسلطة القرار..ومن المؤسف أن يكتفي البعض من الإخوان بإلقاء اللائمة على مجادليهم، كما لو أنهم براء (أو حتى ضحايا) لما حصل ويحصل.

وكنّا نتمنى لو أن السيد أبو الفتوح كشف عن هوية الأطراف الإقليمية المتورطة في أزمة مصر وفوضاها العارمة..لكننا نعرف أن هناك أطرافاً عربية، لها دالة في مصر، ولها نفوذ فيها، وهي وحدها المؤهلة للاضطلاع بمثل هذه الأدوار..نعرف أن هناك دولا “تعهدت” جماعة الإخوان وتكفلت بهم ..ونعرف أيضاَ أن هناك دولا “تعهدت” السلفيين وتكفلت بهم ..هل هي هذه الدول التي قصدها أبو الفتوح، أم أنه أراد أن يشير إلى إيران جرياً على عادة كثيرٍ من الحكام العرب، وهل لإيران ثقل وازن في الداخل المصري..مَن مِن القوى المصرية الرئيسة محسوب على إيران؟ أجد صعوبة في الإجابة على ذلك السؤال.

مصر تقف على عتبات أسوأ السيناريوهات التي كان يمكن تخيّلها قبل الثورة وفي سياقها وما بعدها..هل تدخل البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد، الخارج عن السيطرة والتحكم، وهي التي سطرته أروع صفحات التغيير السلمي؟..هل ستتحول بعض القوى الاجتماعية غير السياسية، من الالتراس إلى بلاك بلوك، إلى ميليشيات محلية، مثيرة للفوضى؟

أما كان بالإمكان احتواء تلك القوى وقطع الطريق عليها، من خلال إيجاد آليات ديمقراطية جامعة تُشرك مختلف قوى الثورة في إدارة مرحلة الانتقال؟..ألم ير الإخوان أن إضعاف الليبراليين والعلمانيين والناصريين، سيأتي لا بالسلفيين وحدهم، بل سيفتح الباب أمام قوى اجتماعية لم تكن ليُحسب لها أي حساب، لولا مناخات الاحتقان المترتبة على نزعات الهيمنة والإقصاء و”الأخونة” و”الأسلمة” التي أطلت برأسها بكثافة منذ وصول مرسي والإخوان إلى سدة الحكم في أرض الكنانة؟.

من استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه..فمصر التي ودّعت حكم العسكر قبل مائتي يوم، تبدو اليوم على اتم الاستعداد والجاهزية لاستقبال الجنرالات من جديد، ومرسي الذي قاوم وجماعته، حكم العسكر، يقامر اليوم باستعادته من بوابة الصلاحيات الاستثنائية التي منحها للجيش في ضبط الأوضاع وملاحقة الخارجين على القانون وإعلان الطوارئ في محافظات السويس..وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فليس من المستبعد أن تكون “عودة العسكر” مطلباً شعبياً..والعسكر إن قرروا العودة، فلن يكون ذلك لخدمة مرسي وإخوانه في مواجهة خصومهم ومجادليهم، بل في مواجهة الجميع، ومن بينهم (إن لم يكن في صدارتهم) مرسي وإخوانه.

ما لا يُدرك كله، لا يُترك جُلّه..وعلى الرئيس مرسي وإخوان مصر أولا وقبل أي فريق آخر، أن يعملوا ما بوسعهم لقطع الطريق على تلك السيناريوهات الكارثية، بالاستجابة للمطالب المحقة والمشروعة للمعارضة الواسعة..من حكومة الانقاذ الوطني التي يشارك بها الجميع، بديلاً عن حكومة قنديل الإخوانية، إلى لجنة تدرس التعديلات الجدية المقترحة على الدستور المصري الجديد، إلى انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة، تحت إشراف محايد، إلى إرساء قواعد مشاركة حقيقة في إدارة مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، وانتهاء بالكف عن محاولة فرض أجندة إخوانية على الدولة والمجتمع، فإما دولة مدنية ديمقراطية، وإما خلافة إسلامية، إما دولة جميع مواطنيها المتساويين في الحقوق والواجبات، وإما دولة الإخوان والسلف والشريعة..أما الدعوة للإمرين معاً، فهو مبعث كل الشكوك ومصدر انعدام الثقة بين الإخوان وبقية المصريين.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور