الاقتصاد العربي أزمة اقتصادية أم أزمة فكر اقتصادي د. محمد عبد الغزيز ربيع تمر اقتصاديات غالبية الدول العربية بأزمة تتفاوت حدتها بين دولة وأخرى، تسببت في تراجع معدلات النمو في بعض الدول، وتقلص اقتصاديات البعض الآخر، وارتفاع معدلات البطالة في البلاد العربية بوجه عام. ولقد جاءت تلك الأزمة في أعقاب إصابة الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الأوروبي بأزمة بنوك ومال وعقارات كان لها ردود فعل سلبية على مجمل الأداء الاقتصادي العالمي، خاصة في أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول مثل روسيا وأيسلندة وكندا والمكسيك. إن معظم الدول التي طالتها الأزمة الاقتصادية هي دول قامت بنوكها بالاستثمار في أوراق مالية أصدرتها بنوك الاستثمار الأمريكية على شكل حزم استثمار عقارية. أما الدول التي لم تستثمر مؤسساتها المالية في أسواق العقار الأمريكية والأوراق المالية المعتمدة عليها، فيلاحظ أن غالبيتها لم تتأثر كثيرا بالأزمة الاقتصادية. من ناحية أخرى، نلاحظ أن غالبية الدول العربية تأثرت بتلك الأزمة بالرغم من عدم تورط بنوكها في أسواق المال والعقار الأمريكية، وعدم اعتماد اقتصادياتها على الاقتصاد الأمريكي. ودون الدخول في شرح أسباب الأزمة المالية الأمريكية التي تحولت بسرعة إلى أزمة اقتصادية حادة، فإن الأسباب الرئيسية أصبحت واضحة إلى حد كبير، إذ جاءت الأزمة بسبب قيام البنوك الأمريكية الكبيرة وبيوت الاستثمار الرئيسية بالتلاعب في سوق العقار. ولقد أخذ التلاعب أشكالا مختلفة أهمها تقديم قروض مالية لأشخاص لم يكن بإمكانهم تسديد الدفعات الشهرية والفوائد المستحقة بشكل منتظم، وإغرائهم بالاقتراض من خلال تقديم قروض بنسب فوائد متدنية لفترات قصيرة، 3-5 سنوات. ولقد نصت شروط القروض على رفع نسب الفوائد بعد انقضاء الفترة الأولى كثيرا، بلغت أحيانا ثلاثة أضعاف النسب الأولية. وحين حان الوقت لرفع نسب الفائدة، وجد الملايين من ملاك البيوت أنه ليس بإمكانهم تسديد الاقساط، مما تسبب في إفلاسهم وخسارتهم لبيوتهم. ولقد تبع ذلك قيام البنوك ومؤسسات الاقراض بالاستيلاء على تلك البيوت وعرضها في سوق العقار، مما أدى إلى انخفاض أسعارها كثيرا بلغت أحيانا 60% من قيمتها السابقة. وما أن بدأت عمليات الإفلاس حتى دخلت أمريكا وكل مؤسسات الإقراض والبنوك المتورطة في تلك العملية في أوروبا أزمة طاحنة تسببت في حدوث أزمة اقتصادية ومالية شبه عالمية.. كل البنوك والدول التي شهدت نشاطا عقاريا كبيرا وعمليات إقراض واسعة كانت ولا تزال جزءا من الأزمة التي أصابت العديد من دول العالم. من ناحية ثانية، هناك مجموعة صغيرة من الدول مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب إفريقة لم تتأثر بالأزمة، بل استمرت اقتصادياتها في النمو، وإن شهدت معدلات النمو بعض التراجع. ويعود سبب نجاح تلك الدول في تجنب الأزمة إلى عدم تورط بنوكها في عمليات الإقراض العقاري الأمريكية، وانخفاض مديونية بعضها وتمتع بعضها الآخر بفائض، وإلى كبر حجم اقتصاديادتها نسبيا وقدرتها على التوسع الداخلي، وتوجهها نحو الاستثمار في بلادها. لو قارنا أوضاع تلك الدول بأوضاع الدول العربية فسوف نلاحظ أن البنوك العربية ومؤسسات الإقراض لم تتورط في أزمة العقار الأمريكية أو الأوروبية، مما يعني أنها تجنبت مصيدة العقار الأمريكية، وأنها لا تُصدر شيئا ذا قيمة حقيقية يؤثرعلى مستويات العمالة العربية، وأن السلعة الرئيسية التي تصدرها الدول العربية هي البترول الذي لم تنخفض أسعاره ولم يتراجع الطلب العالمي عليه بسبب توسع الاقتصاد الصيني والهندي بشكل أساسي، وأن كل الدول العربية الرئيسية المصدرة للنفط لديها فائض مالي ومؤسسات استثمار سيادية كبيرة وغنية. إذن لماذا دخل الاقتصاد العربي في أزمة؟ ولماذا لم يخرج منها حتى الآن بالرغم من اتجاه الاقتصاد الأمريكي والأوروبي إلى الخروج من أزمته على استحياء؟. إنني أعتقد أن الأزمة العربية ليست أزمة اقتصاد وإنما أزمة إدارة اقتصادية.. إن تبعية العرب لأمريكا من النواحي السياسية والأمنية يبدو أنها أقنعتهم بضرورة أن يكونوا تابعين لتلك الدولة حتى لو ذهبت إلى الجحيم.. إن أزمة الغرب الاقتصادية لم تنتهي، وإنه ليس من السهل أن تنتهي قريبا، وذلك بسبب ارتفاع المديونية الخارجية في أمريكا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي، واتساع حجم العجز في الموازنات الحكومية، وتضخم أعداد العاطلين عن العمل. إن على أمريكا على سبيل المثال أن تخلق حوالي نصف مليون وظيفة شهريا لتخفض نسبة البطالة مع حلول عام 2015 إلى حوالي 6%، وهذا أمر من الصعب تحقيقه في ضوء العجز المتزايد في الميزانية والمطالبة الشعبية بخفض الإنفاق الحكومي. إن عدم وجود مسببات حقيقية لوجود أزمة اقتصادية عربية يستوجب قيام الحكام العرب بالإعلان عن انتهاء الأزمة، والتوجه نحو الاستثمار في البلاد العربية كما فعلت الصين والهند والبرازيل. لقد اغتنمت الصين والهند فرصة الأزمة ليس للتباكي على السوق الأمريكية أو لندب حظها، بل لأخذ زمام المبادرة والتوسع الاقتصادي عن طريق تكثيف الاستثمار الداخلي، وهذا ما يجب أن يفعله العرب اليوم. إن اعتماد صناديق الاستثمار السيادية أساسا على الاستثمار في الأسواق الأمريكية والأوروبية من المؤكد أن تكون نتائجه وخيمة إذا دخلت اقتصاديات تلك الدول أزمة ثانية. إن بإمكان العرب ومن واجبهم أيضا استغلال هذه الفرصة ليس للمساهمة في تمويل ديون أمريكا، بل في تعزيز الاقتصاديات العربية والسير قدما على طريق التكامل الاقتصادي حتى يكون بإمكان الاقتصاد العربي أن يقف على رجليه ويحقق درجة جيدة من الاعتماد على النفس. لهذا أقترح أن يقوم الحكام العرب بعقد اجتماع يعلنون من خلاله انتهاء الأزمة وتقديم ضمانات مشتركة للبنوك العربية كي تعود إلى الإقراض، وتبني مشاريع استثمارية عربية كبيرة تخدم هدفي خلق وظائف جديدة وتسريع عملية التكامل الاقتصادي كبناء خط سكة حديد يمر على كل مدينة عربية. وفي ضوء اتجاه المواطنين العرب خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إلى إدخار نسبة أكبر من دخلهم بسبب تخوفهم من استمرار الأزمة فإن من المتوقع أن تواجه الاقتصاديات العربية أزمة تضخم تشمل العقار إذا لم يتم العمل على إنهاء الأزمة الحالية بسرعة. وهذا من شأنه أن يتسبب في رفع أسعار العقار كثيرا، وزيادة حدة أزمة السكن بالنسبة لفقراء الأمة العربية، وجعل إمكانية الحصول على لقمة العيش أكثر صعوبة. وهذا يعني باختصار أن الاستمرار في تكديس الثروات سيساهم في تعميق الأزمة وليس في حلها أو حتى تخفيف حدتها. إن المشاكل السياسية والأمنية التي تواجهها وتعاني منها بعض الدول العربية مثل اليمن والصومال والسودان ومصر لا يمكن حلها بقوة السلاح، بل من خلال حل الأزمة الاقتصادية وما يرتبط بها ويقف خلفها من أزمة بطالة وفقر وسكن وجهل. د. محمد عبد العزيز ربيع

المراجع

www.google.jo/url?sa=t&rct=j&q=%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A+doc&source=web&cd=8&ved=0CGYQFjAH&url=http%3A%2F%2Fwww.yazour.com%2Fsite_doc%2Fattch-968731.doc&ei=Tx6pT7DcGOXP0QXIvrDrAw&usg=AFQjCNHjb0Qdk8gnJlUzoMFe3-ddDjmryAموسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث