تبنت القمة العربية في الدوحة اقتراحاً قطرياً بعقد قمة عربية مصغرة في القاهرة، لتسريع مسار المصالحة..الاقتراح حظي بترحيب حار من حماس وقبول لفظي على الأقل، من السلطة..ولكل منهما حساباته وتصوراته، لكن المواقف الفعلية للأطراف، بمن فيها العربية، تذهب في اتجاهات مغايرة.

ليس لفتح أو حماس، أن تبدو في موقع من يعطل قراراً للقمة بتسريع المصالحة..وليس من مصلحة أي من الحركتين أن تظهر بمظهر الرافض “لمبادرة شقيقة” بجمع عدد من الملوك والرؤساء والأمراء، في قمة مخصصة لإنهاء آفة الانقسام الفلسطيني الداخلي..لهذا لم نكن نتوقع من طرفي الانقسام، أن يبديا اعتراضاً على المقترح القطري الغامض حتى اللحظة.

ونقول مقترحاً غامضاً، لأننا لا نعرف بالضبط جدول أعمال القمة المصغرة المقترحة، ولا الأطراف التي ستدعى لحضورها..هل يبدأ البحث في موضوعات المصالحة من جديد ؟..ماذا عن ركام الاتفاقات السابقة، بما فيها اتفاقات القاهرة والدوحة ؟..هل ستقتصر القمة على الرئيس مرسي والشيخ حمد، صديقا حماس وحليفاها؟..أين التوازن في الأمر، وماذا عن بقية القيادات العربية، هل ستكون متحمسة لحضور القمة، أم أنها ستترك الأمر للرجلين، يقرران ما طاب لهما من خطوات وتوجهات؟.

حماس بلا شك، هي الأكثر حماساً للقمة المصغرة..الشيخ حمد رئيس القمة، يتحكم منذ عامين على الأقل، بمفاتيح العمل العربي المشترك والجامعة العربية، وهو حليف لحماس ومضيف لمكتبها السياسي وأول زائر لحكومتها في قطاع غزة والممول الرئيس للحركة والحكومة..أما الرئيس مرسي، فهو حليف إيديولوجي لحماس، ومن موقعه كـ”مرشد عام”، ينظر لحماس بوصفها فرعاً من فروع التنظيم الدولي، وليس من المتوقع من الرجل إلا أن يكون في موقع الداعم القوي والمصمم للحركة.

ما الذي سيفعله “أبو مازن” بين حمد ومرسي..صحيح أن الرجل يتمتع ببعض “الصلات القطرية”، وعلاقاته على المستوى الشخصي طيبة بالإمارة الخليجية..لكن في السياسة، قطر ليست على وفاق مع “أبو مازن”، ليس لأنها ضد خيار المفاوضات وفي صدارة صفوف “المقاومة والممانعة”، بل لأنها تبنت جماعة الإخوان المسلمين بالجملة، ولن تتخلى عنهم بالمفرق، ثم هي راكمت خبرات عظيمة في “تدوير زوايا المواقف الثورية الحادة” لبعض الحركات والمنظمات، من طالبان حتى حماس.

أما علاقة الرئيس الفلسطيني بنظيره المصري، فلا “كيمياء” فيها ولا “فيزياء”..ومن العبث انتظار موقف “متوازن” من رئيس يمثل “الجماعة الأم” في نزاع مع “التنظيم الفرع”..وفي غياب سوريا والعراق، ونفض السعودية يدها من الملف الفلسطيني وانشغال المغرب والجزائر بهموم أخرى، فإن الرئيس الفلسطيني يشعر بلا شك، بأن القمة المنتظرة، ستكون عليه وليس له.

من هذا المنطلق، يمكننا فهم تأكيدات أكثر من مسؤول في رام الله، بأن المطلوب ليس عقد قمم للمصالحة، ولا العودة للمربع الأول..هناك اتفاقيات مبرمة آن أوان الشروع في تنفيذها..ما يعني التقليل من أهمية القمة وجدوى انعقادها.

ويأتي “الصراع على البروتوكول” بين فتح وحماس في القمة، ليعكس جانباً آخر من جوانب القلق والتحسب في رام الله فالرئيس عباس لن يحضر قمة أياً كانت طبيعتها، على قدم المساواة “البروتوكولية” مع رئيس المكتب السياسي لحماس، إذ تخشى السلطة أن يكون الترتيب القطري – المصري بداية “شرعنة” للثنائية الفلسطينية، توطئة لإدخال “رياح الربيع العربي” إلى الساحة الفلسطينية من بوابة المصالحة، وحين نتحدث عن “الربيع العربي” هنا، فإننا نقصد “صعود الإسلاميين” بشكل خاص.

على أية حال، الفلسطينيون ليسوا بحاجة لوسطاء فيما بينهم لإتمام المصالحة..الفلسطينييون قادرون على فعل ذلك بأنفسهم، إن توفرت لهم الإرادة السياسية لذلك..والمؤكد أنهم ليسوا بحاجة لقمة ترجح كفة فريق على آخر..هم بحاجة لـ”شبكة دعم وأمان” عربية لكفاحهم من أجل استرداد حقوقهم الوطنية المشروعة..فهل هذه هي الأجندة المرسومة للقمة المنتظرة، أم أن وراء الأكمة القطرية ما وراءها؟..سؤال برسم المستقبل القريب.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور