تفتح استقالة الشيخ أحمد معاذ الخطيب الباب رحباً لتسريع عملية بناء “القطب المدني – الديمقراطي” التي تتحدث عنها أوساطٌ في المعارضة السورية غير المسلحة..سيما وأن المعلومات التي رافقت الاستقالة وأعقبتها، ذهبت جميعها لتأكيد الأنباء عن لقاءات ومشاورات أجراها الخطيب مع قادة وممثلين للمنبر الديمقراطي وهيئة التنسيق الوطني وتيار بناء الدولة، أكثر من مرة وفي غير عاصمة.

إعلامياً، بدا أن استقالة الخطيب جاءت احتجاجاً على “تقصير” المجتمع الدولي حيال الشعب السوري، وتعبيراً عن الغضب والضيق من “الوعود التي لم يجر احترامها أو الالتزام بأيٍ منها”..ولقد حاولت أطراف في المعارضة (المحسوبة على قطر على نحو خاص) أن تضع الاستقالة في سياق الاحتجاج على امتناع الدول الكبرى عن تسليح المعارضة وتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري.

لكن أداء الخطيب ومواقفه طوال الأشهر القليلة الفائتة، كانت تدفع باتجاه انتظار الاستقالة، احتجاجاً على المستويات غير المسبوقة من التدخل العربي والإقليمي في شؤون المعارضة السورية، والبالغ حد فرض الأملاءات والأجندات والوجوه والشخوص، خصوصاً بعد تفاقم محاولات فرض هيمنة وتفوق فريق معين من المعارضة (الإخوان المسلمون) على بقية المكونات، وتحويل الائتلاف الوطني إلى مجرد “دمية” في لعبة الحسابات الخاصة بدولة معينة.

وهو– الخطيب - وصفَ نفسه بالطير الجبيس في قفصه، واضعاً استقالته في باب “التحرر من القيود والضغوط” توطئة للانطلاق إلى فضاءات عمل وطني أوسع..وأحسب أن ما عاناه الشيخ في قيادته للائتلاف، إنما نجم بالأساس، عن وجود غالبية وازنة في مؤسساته، تتبع الإخوان المسلمين ومصطفى الصباغ، الرجل الذي يُقال أنه سقط بالبراشوت على ائتلاف الدوحة، وبات أمينا عاماً له، ويحظى بكتلة وازنة فيه، تزيد عمّا لقوى أساسية في المعارضة من حضور وتمثيل.

الخطيب كان من أول شخصيات المعارضة السورية التي نبهت لمخاطر استهداف الدولة والمجتع في سوريا، وليس النظام السياسي والأمني فحسب..وهو صاحب مبادرة للحل السياسي التفاوضي، لا تنسجم مع دعوات “الحسم العسكري” التي يتبناها شركاؤه في الائتلاف وداعميهم الأتراك والخليجيون، الذين– للمفارقة – لا يكفون عن التنديد بنهج النظام السوري القائم على خيار “الحسم العسكري”.

القطب المدني – الديمقراطي الذي يزداد الوعي بالحاجة إلى بلورته وتعزيز دوره، ليس ضرورة وطنية ملحة في مواجهة نزعات “تطييف” المجتمع السوري و”مذهبته” فحسب، بل وحاجة أشد إلحاحاً لتدراك ما يمكن تداركه من مؤسسات الدولة والمجتمع في سوريا، ولإنقاذ عشرات ألوف الأرواح، إن لم نقل مئات الألوف منها، التي تبدو مرشحة للانتقال إلى باريها، على مذبح الصراعات الإقليمية وحروب المحاور في سوريا وعليها..ووقف شلال الدم السوري الذي لم يكف ليوم لواحد عن التدفق، بات رهناً بقدرة مدنيي سوريا ووطنيها وديمقراطييها على العمل سورياً لصد رياح التطرف والغلو والفتن والحروب الأهلية المتنقلة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وبخروجه من الائتلاف الوطني، يفقد هذا الإطار الذي رأى النور بطريقة “قيصرية” وعلى يد قابلة قانونية لم يعرف عنها، حرصها على “الوليد” إلا بالقدر الذي يخدم أهدافها ويتساوق مع أجنداتها، ويلبي بعض الطموحات والحسابات الضيقة لهذه الأطراف..والمؤكد أن الائتلاف بعد الخطيب وصحبه، لن يظل على حاله، وليس مستبعداً أن تُحرر “شهادة وفاته” عمّا قريب، ليواجه ذات المصير الذي آل إليه المجلس الوطني السوري.

وإذ تترافق استقالة الخطيب، مع أنباء شبه مؤكدة، عن قرب تقديم “رئيس الحكومة الانتقالية المُعيّن” غسان هيتو استقالته من التكليف، فإن “بناء سنمّار” الذي شُيّد على عجل فوق رمال الصحراء المتحركة، يبدو عرضة للانهيار السريع والدراماتيكي..وسواء أحل مطصفى صباغ محل هيتو أم جاءوا برجل آخر، فإن الحكومة الانتقالية التي مُنحت مقعد سوريا في الجامعة العربية، تبدو بحاجة لغرفة عناية حثيثة، وليس لمقاعد إضافية في أروقة الجامعة والأمم المتحدة.

هي صورة بائسة، جديدها قديم، وقديمها لم يرق إلى مستوى طموحات الشعب السوري التوّاق للحرية والاستقلال والسيادة والكرامة والأمن والاستقرار..والمؤكد أنها صورة غير منقحة عن حكومات النظام الذي حاربته..ألم يقل البطريرك بشارة الراعي لفرانسوا أولاند بأن الأسد ليس أسوأ ممن يحاربونه، أو بعضهم على الأقل؟.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور