ليس لمدينة نيويورك باع في صناعة الروائع السينمائية كشقيقتها هوليوود الموصوفة بحق عاصمة السينما العالمية، وإنما هي مدينة الصخب والمال والأعمال والسياسة، والأمم المتحدة وأكبر البورصات وتمثال الحرية، وغير ذلك من السمات والمعالم التي جعلت منها عاصمة العالم.
لذلك، فإننا نتجاوز كثيراً على هووليود عندما نتحدث عن فيلم نيويوركي، ونسبغ على مدينة البرجين التوأمين المنهارين ما ليس لها من دروب في الفن السابع. إلا أن جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة قبل ثلاثة أيام، وما تخللها من مداخلات لعدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء حول الأزمة السورية، خلقت الانطباع أن ما شاهدناه كان فيلماً طويلاً.
وليس المعنى أن ما بثته الفضائيات على مدار أكثر من مائتي دقيقة كان شريطاً مركّباً حافلا بالخدع البصرية والمؤثرات السمعية، وإنما هو على وجه الدقة استعراض سياسي باهر للعبة حقيقية من ألعاب القوة والأحجام والأدوار والأوزان والتوازنات، جرت على خشبة مسرح دولي باذخ.
ولو سألني أحد ممن فاته حضور هذا الفيلم الطويل عما شاهدت في دار العرض المفتوحة مجاناً للملايين، لدلفت من باب غير سياسي، لكنه قريب من السياسة قائلاً: كان فيلماً حضرناه من قبل، عشية شن الحرب الأميركية على العراق العام 2003، المشاهد ذاتها مع بعض الاختلافات.
وبالانتقال من فضاء الكلام الانطباعي والنقد العام، إلى حيز التشخيص الموجز عن أداء الممثلين في هذا الفيلم الطويل، نقول إن النجوم الكبار كانوا، قياساً بنظرائهم في الفيلم السابق عن العراق، أقل حضوراً، وأفقر لغة، وأدنى تأهيلاً مما كان عليه المؤدون السابقون من وزن ناظر الخارجية الأميركية الجنرال كولن باول وسيد الدبلوماسية الفرنسية، المثقف الشاعر دومنيك دو فيلبان.
فقد أتت هيلاري كلينتون وكأنها قادمة من متحف الشمع، وقرأت نصاً مكتوباً بعناية، لكنه بلا روح، خاليا من الدسم السياسي والمقبلات، فيما كان ألين جوبيه مفتقراً إلى روح القتال الفروسي التي كثيراً ما أبداها خارج خشبة مجلس الأمن.
وأكاد أجزم أن المندوب الصيني وهو يمثّل دوراً متواضعاً، كان يستعجل الانتهاء من أداء المشهد الثانوي المتمم لمشاهد أخرى ضئيلة في الشريط، فيما كان أداء الممثل الروسي نمطياً ديماغوجياً رغم أنه كان في وضعية البطل الذي ترنو له الأبصار.
تبقى ضرورة الإشارة إلى كلمات العرب في هذا السياق، حيث بدت الكلمة القطرية الطويلة قوية، تكاد تخلو من التحفظات والمجاملات المعهودة في خطابات المسؤولين الخليجيين، حتى لا نقول إنها كانت هجومية على طول الخط، فيما كان الأمين العام للجامعة العربية يتحدث كمن في فمه ماء، مراوحاً بين حدود الموضوعية والرصانة منتقلاً بين ضفاف الدفاع إلى قلب الهجوم.
ولا يحسن بنا في ختام هذا الاستعراض ألا نمر قليلاً على المندوب السوري الذي أدى دوراً يحسب له جيداً عند معلّميه، لما أبداه من قتال سياسي، وما ساد في خطابه من نبرة هجوم ضارٍ على الجميع، إلا أنه كان كقارع طبلة في حفل أوركوسترالي، يستخدم الشعر في غير محله، ويتحدث عن إصلاحات فات أوانها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   عيسى الشعيبي