في الأنباء، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حث الرئيس الفلسطيني محمود عباس على “المجازفة” من أجل السلام، ولا أدري ما الذي لم تجازف به القيادة الفلسطينية حتى الآن من أجل دفع مسار السلام والمفاوضات .... لا أدري ما “المجازفة” المطلوبة هذه المرة، لكي يحتفظ الرئيس الفلسطيني بصورته كـ “شريك حقيقي” وفقاً لشمعون بيريز، و”نابذ للعنف” ملتزم بخيار المفاوضات وفقاً للرئيس أوباما.

وفقاً للمصادر الفلسطينية، فإن الرئيس الأمريكي لم يعرض أفكار إدارته رسمياً وخطياً على الرئيس الفلسطيني، والسبب بكل بساطة أن أوباما لم يستطع إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو بهذه الأفكار في لقائهما الأخير في كاليفورنيا، بل أن الرجل بدا أكثر صلفاً وتعنتاً بعد عودته مكللاً بدعم “اللوبي” الأقوى في عاصمة القرار الأمريكي: أيباك... وسوف تحتاج الإدارة الأمريكية إلى مزيد من الوقت والجهود لجسر الفجوات التي تفصل بينها وبين مواقف نتنياهو ... وربما لهذا السبب بالذات، لم نكن نتوقع أن يواجه الرئيس عباس، عاصفة من الضغوط في واشنطن كتلك التي جابهها سلفه الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد، وأن جُلّ ما تبغيه الإدارة الأمريكية حالياً، هو “فترة سماح” إضافية للمفاوضات الدائرة لا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل بين الأمريكيين والإسرائيليين أساساً.

وثمة في ثنايا التصريحات الفلسطينية التي أعقبت القمة، ما يشي بالاستعداد للقبول بالمطلب الأمريكي، شريطة الحصول على بعض المكاسب في المقابل من نوع: تجميد الاستيطان خلال فترة المفاوضات وإطلاق سراح معتقلين فلسطينيين ... في التجربة التفاوضية الفلسطينية السابقة، لم يثبت أن إسرائيل قبلت مرة واحدة بالتجميد، وأنها واصلت على الأرض أعمال الزحف والتوسع الاستيطانيين، بصرف النظر عن لحظات صعود وهبوط العمليات التفاوضية، وأياً كانت هوية الحكومة الإسرائيلية السياسية والإيديولوجية، والأرجح أن تمديداً كهذا، سيكون مقترناً ببعض العروض الاسترضائية التي تتصل بالإفراج عن معتقلين أو زيادة دعم مالي واقتصادي.

لا ندري إن كانت القيادة الفلسطينية ستتمسك بمطلب تجميد الاستيطان لتمديد المفاوضات، أم أنها ستقبل ببعض المكاسب الصغيرة في مطارح أخرى ... لكننا نعرف أن الاستمرار في الرضوخ للقيود التي فرضتها إسرائيل على السلطة للإفراج على دفعات عن مائة ونيف من قدامى المعتقلين، ما عاد خياراً مقبولاً من قبل أوساط متزايدة من الفلسطينيين، ترى محقة أن الرضوخ لهذا الشرط الأمريكي (الإسرائيلي)، بات يلحق الضرر بمقاومة الشعب الفلسطيني السياسية والدبلوماسية والحقوقية للاحتلال والاستيطان الإسرائيليين.

منذ انطلاقة مهمة كيري، قبل ما يقرب من الثمانية شهور، لم تتوقف حكومة نتنياهو عن اتخاذ كل ما تراه مناسباً من “ إجراءات وخطوات” أحادية الجانب... صعدت عملياتها الاستيطان والتهويد في القدس ومحطيها وفي مناطق أخرى من الضفة الغربية، واصلت اعتداءاتها على القدس والمقدسات والمقدسيين بخاصة ... وواصلت عدواناتها على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، من دون أن تكون أي من هذه الخطوات “الأحادية” سبباً في وقف المفاوضات أو الانسحاب منها أو حتى التلويح بفعل ذلك.

اليوم، يُطلب إلى الفلسطينيين، الاستمرار في المفاوضات وتمديدها من جهة، والامتناع عن اتخاذ أية خطوات “أحادية” كالذهاب لاستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية من جهة ثانية... مثل هذا الوضع لا ينبغي أن يستمر بأي حال من الأحوال، وإن كان لا بد من تمديد المفاوضات، وهذا ما لا نؤيده ولا نرى فيه مصلحة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، فلا بد من التحرر من القيود التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين للقبول بالانخراط في مهمة كيري ومسعاه.

إن أسواء ما في استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية من دون الأخذ بالمطالب/ الشروط الفلسطينية التي كانت قائمة آنذاك، هو رضوخ الجانب الفلسطيني للمطالب والشروط الإسرائيلية المسبقة، ومن بينها وأهمها، الامتناع عن استكمال عضوية فلسطين في مؤسسات الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي، وإذا ما تكرر هذا الموقف، وهذا خيار لا يمكن استبعاده، فإن الخسارة ستكون مضاعفة بكل تأكيد.

وإن كان لا بد من “التمديد” لمهمة كيري لأشهر ثمانية أو تسعة قادمة، فلا أقل من تجميد مطلق لأعمال الاستيطان والتهويد خلال هذه الفترة، أو التحرر من الوعود والالتزامات التي قطعتها القيادة الفلسطينية على نفسها أمام “الوسيط” الأمريكي، وليس مقبولاً أبداً أن يكون ثمن تمديد المفاوضات العبثية، الإفراج عن بضع عشرات من المعتقلين الفلسطينيين، على أهمية البعد السياسي والإنساني لقضية الأسرى والمعتقلين، الذين نعتقد بأنهم أنفسهم، ما كانوا ليقبلوا بأن تكون معاناتهم عامل ضغط على شعبهم وقيادتهم للتخلي عن خيارات كفاحية أكثر جدوى من خيار الدوران العبثي في الحلقة المفرغة إياها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور