يدرك الوزير الاميركي بلا شك، انه لن يستطيع ابقاء الفلسطينيين حول مائدة المفاوضات نظير خمسة وسبعين مليون دولار، هي أشبه بـ»الرشوة» منها الى المساعدة العاجلة والمطلوبة ... لكن ماذا بمقدور جون كيري ان يفعل، وماذا يملك في جعبته من أوراق وهو العارف تمام المعرفة، أنّ اسرائيل تريد الارض والسلام معاً، وان ليس في نية حكومتها، ولا على جدول أعمالها، إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من دولته.
لقد راقب رئيس الدبلوماسية الامريكية عن كثب، كيف اضطر زعيم بلاده، الدولة العظمى، للتدحرج من على قمة شجرة «الاستيطان غير الشرعي»، ليعود في اقل من عام، وتحت ضغط تعنت اسرائيل ونفوذ «لوبيّاتها» في واشنطن، للتراجع عن خطاب القاهرة، وتبني الشروط الإسرائيلية لمفاوضات بلا شروط؟
من بين طاقم الادارة الثانية للرئيس أوباما، يُعد كيري المسؤول الأرفع والأكثر حماسةً لتحقيق «اختراق» على مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وربما يكون المسؤول الوحيد المتحمس لهذا الملف ... فثمة من القضايا ذات الأهمية والأولوية، محلياً ودولياً وفي الإقليم، ما يكفي لملء جدول اعمال هذه الادارة بشكل كامل.
لكن كيري المُدرك لانتفاء الجدية الإسرائيلية في السير الحثيث على درب السلام والحل النهائي، يعرف تمام المعرفة، انه من دون ضغط أميركي جدي على اسرائيل، لن يكون هناك تقدم من أي نوع، وهذا ما لا يريد كيري ان يحرق أصابعه بناره، لا يرغب في ذلك ولا يقوى عليه ان هو رغب.
لذلك يعتمد السيد كيري في «وساطته» دبلوماسية شراء الوقت وإطلاق الوعود التي لا يضمن إنفاذها ... يخاطب كل فريق بما يتصدر قائمة أولوياته ومخاوفه ... يغدق على الإسرائيليين وعود حفظ الأمن والتفوق ... ويداعب الفلسطينيين القلقين على ما تبقى لهم من قدسهم وضفتهم بأحاديث مقتضبة عن «الاستيطان غير الشرعي» وعرض «حفنة من الدولارات» ... يعطي كل فريق ما «يطرب» له من تعهدات، حتى وان تعارض أحدها مع الاخر، فالمهم ان تبقى «العملية»، وان يتسمّر الفلسطينيون حول مائدة المفاوضات حتى الربيع القادم.
والحقيقة المؤلمة انك لا تجد من بين متابعي هذه العملية والمنخرطين بها والمهتمين بمآلاتها، من هو متفائل بنتائجها ... بيد أنك لا تسمع من أحدٍ منهم تصوراً جدياً لما يمكن ان تكون عليه حال المنطقة والقضية والصراع العربي الإسرائيلي في مرحلة ما بعد فشل مهمة كيري وانسداد دروب التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي.
ومما يزيد من كآبة الجولة السادسة لكيري في المنطقة، أنها تتزامن مع انتهاء مهمة العلماء والخبراء الروس والسويسريين من مهمة الكشف عن سبب وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات، إذْ أجمع هؤلاء على أنه قضى مسموما بالبولونيوم الإسرائيلي في واحدة من أبشع جرائم الاغتيال السياسي في التاريخ، وبصورة تملي على الفلسطينيين الاستعداد الجاد والجدي، لملاقاة الإسرائيليين في الساحات والميادين والمحاكم الدولية، وليس في غرف التفاوض وعلى موائده.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور