كنت توجهت برسالة مفتوحة، عبر هذه الزاوية، إلى فضيلة الأستاذ سالم الفلاحات، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لأُكبر فيه روح الحوار والانفتاح، وحرصه على المصارحة والمصالحة، بعد أن قرأت له ما قرأت من مواقف وتصريحات، ذهبت جميعها في خانة “ما ينفع الناس ويبقى في الأرض” ... ولقد تكرم الأستاذ الفلاحات بالرد هاتفياً وخطياً على رسالتي، التي ارتأيت بعد موافقته، على نشرها في هذه الزاوية، تعميماً للفائدة، وفيما يلي نص الرسالة:

الأستاذ عريب الرنتاوي

تحية وبعد؛

نبحث عن شركاء

لست وحدي-وأنا على يقين -أن هناك من يبحث عن شركاء دون أن يصاب بالغرور أو النرجسية أو اليأس أو الاستعجال أو القعود والتنحي ... بحثت عنهم طويلا منذ عام 2006 في الدولة، ، في الحكومة، في مؤسسات المجتمع المدني وفي الأحزاب ... لم أيأس ولن أيأس وهل يجوز اليأس كلا وحاشا

قال لي بعضهم: لعل طريقة البحث هي الخاطئة، أو لعل وسائل البحث ليست كافية، أو لعل الشركاء غير مطمئنين بعد لجدية الطرح وصدقيته

لا أدري ... و”لعل” هذه طويلة الاحتمالات، أو لعل خلفيات الشركاء وتجاربهم السابقة لا تشجعهم على الظهور ... أو لعلهم يبحثون عن أكفانهم ولا يقبلون بأي عرض ولا أي عارض.

يا أستاذ عريب:

المميزون هم بشر يحسدون أولاً ويتعرضون للتشويه الممنهج، يضجرون ويتألمون وقد يخرجهم الأسى عن الجادة... لكن أكثرهم يتحدث كمفكر لا كمصلح أو منقذ،إنما يقول الوقائع والقناعات دون التفاف للمآلات والآثار ولمستوى المُتلقين ومن يرقب المشهد من المترددين.

ربما أختلف معك، واختلفت انت في تناولك للمسائل الأخيرة، وهذا حق لكل منا، لكن الذي لا يصح فيه الاختلاف هو التحرر والحصول على الكرامة الإنسانية والعدل والخروج من عنق الزجاج والقفز من ماء الغرق ومن وحل الهلاك المختلط،وبعد ذلك لن يصح الا الصحيح، ولن يبقى للمتظاهرين بالمبادئ والممثلين مقام،فمن ثار على الظلم الأكبر بكل “هيلمانه”، لن يعجز عن الثورة على الأدعياء والواهمين مهما كانت مناهجهم وقدرتهم على التلون.

ليس هروبا من الاستحقاق والحقيقة أقول بأن تجاربنا بشرية، ولسنا ملائكة معصومين، انما هو لإزالة الوهم ورفع القداسة المضللة التي تجعل المـأمول من البعض أكثر بكثير من الواقع وحتى الممكن في البدايات ... الناس كل الناس أبناء مجتمعاتهم بقيمها وأمراضها وخيرها وشرها،ولن يسلموا من رذاذها،على الأقل حتى حين، قد لا يطول الحال لمن يجعل الترقي في ميادين اسعاد الناس أسمى أهدافه.

أخي عريب .... لم أنس أيام التعاون تلك في 2006 – 2007 أيام حصار غزة، ومبادراتك التي عطلها غيرك،ومحاولاتك جمعنا بقيادات فتحاوية لم تتم، ليس بسببك ... عندنا شعار نبوي صريح: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كذا

لولا أن أهلك ذو جاهلية لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد ابراهيم ... أو لئلا يقولون إن محمد يقتل أصحابه ...في أسرى بدر: لولا عمر لهلكنا.

الأستاذ حسن البنا كان يعقد مؤتمرا دوريا للمراجعة حتى وصل المؤتمر السادس ... عقدنا مؤتمراً للمراجعة العميقة في عام 1996حول المرأة والتعددية السياسية والديمقراطية والمشاركة السياسية في الحكومات ... عقدنا مؤتمراً في عام 2006 على مدى ثلاثة أيام لقراءاتٍ في منهجية الأستاذ البنا ... عقدنا مؤتمرا للمراجعة في شهر حزيران 2013 على مدى يومين ... شاركنا في ندوة على مدى يومين تحت عنوان حركات (الإسلام السياسي).

لكننا بحاجة كأردنيين في هذا الوطن لمراجعات بقلوب مفتوحة وبجرأة الواثقين وبلغة تصالحية تفاهمية بنائية إصلاحية، بحيث لا يتعالى أحد على أحد، ولا نُحكّم التاريخ وما فيه من تجارب سلبية في الواقع إلا بمقدار العبرة والفائدة.

أشكرك على الاشارة والرسالة والتعليق والمقترحات وأرجو أن أذكر لك قناعاتي وقناعات كثير ممن أعرف:

الحوار ضرورة مجتمعية وانسانية لاستقامة الحياة واستمرارها سليمة.

المراجعة هي اكسير الحياة للدول والأحزاب والجماعات والشركات والمؤسسات،وإلا فهي الهاوية مرة واحدة أو رحلة في المجهول ... والمراجعات هي الطريق الوحيد للنجاة والبناء والتقدم ولكن بشرائطها ومستلزماتها، فإن كانت من طرف واحد، أعزت الجهلاء والمستعجلين وقطاع الطرق، وتكتمل ويعم نفعها عندما تكون من معظم الأطراف المتناقضة أو المتخاصمة في الوطن وفي إطار الشعب الواحد والأمة الواحدة والوطن الواحد... فهلا عممنا الدعوة للمراجعة ... هل نستطيع ذلك؟... من لم يراجع مسيرته خسر وانتكس وهذه حقيقة ... ولكن نفع المراجعة يعم إن كانت تشاركية ومشتركة ... الخطأ بحد ذاته ليس جريمة وهو بحق البشر طبيعي .

الشجاعة الأدبية غائبة كما هي الحريات والعدالة والتحرير، وهي عملة نادرة لكنها موجودة وقيمتها بندرتها ولن تغيب ولكنها لمن ينقب عنها.

المبادرون في الناس قليل، وإن وجدوا فبعضهم يصاب بأمراض سارية منها التسرع أو الشعور بتميز الذات، وأحيانا بالتفرد والنرجسية، وقد توصل صاحبها حد اليأس والقعود والتنحي ... يقولون إن الرياديين يجب ألا تكون لهم ألوان فاقعة وأن لايحسبوا تعصبا على جهة أو فئة على الدوام، وهم كذلك قليل.

نعم، إن على طرفي المنحنى من يغالي في الفهم والممارسة ولا يخلو منهم مجتمع، لكن ما مسؤولية الجسم الأعظم ومادوره ... هل يستسلم لنزوات الفرديين الهائمين الواهمين العدميين ... لاتدري لمن تصرخ وبمن تستعين من البشر؟

آه كم هو مكلف ثمن الكلمة الجادة والموقف الجاد، حتى لو كان بسيطا وخافتا ولكن هنيئا لمن وفق اليه، ولن يذهب جهد صادق أدراج الرياح وإن كان للتيه جيلاً يأخذ سنة أو سنوات فسينتهي “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”

والخطاب القرآني للمؤمنين وليس لغيرهم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور