لا يحتاج المرء إلى قارئة فنجان، مثل عبدالحليم حافظ، إو إلى واحد من عرّافي ليلة رأس السنة، كي يقول بملء فمه، إن طريق مؤتمر "جنيف2" المسدود منذ نحو ستة عشر شهراً، ما يزال على حاله من الانسداد، وأن المتغيرات السلبية التي تراكمت في إطار المشهدين الداخلي والخارجي للأزمة السورية، خلال الأشهر الطويلة الماضية، قد فاقمت من حدة العقبات التي كانت تغلق الطريق إلى المؤتمر العتيد، أكثر مما كانت عليه من قبل.
وقد تبدو مثل هذه القراءة المتشائمة لفرص عقد مؤتمر دولي جديد، تأجل موعده من شهر لآخر بفعل تضارب الأهواء والمصالح، وتعارض الغايات المستهدفة بين مختلف النافخين في كير الأزمة المشتعلة، قراءة تنطوي على تسرع ومجازفة في تقدير الموقف، خصوصاً أن المساعي الدبلوماسية المبذولة لعقد هذا المؤتمر جارية الآن على قدم وساق، وأن هناك توافقاً بالحد الأدنى، واستعجالاً مريباً بين اللاعبين الكبيرين، على ضرورة التئام "جنيف2" في الشهر المقبل.
والحق أن متغيراً واحداً مهماً لم يحدث في نطاق المشهد السوري، منذ أن حددت كل من أميركا وروسيا أول موعد لعقد هذا المؤتمر في أيار (مايو) الماضي، باستثناء هذا التفاقم المروع للمحنة، وكل هذا النزيف المفزع للدماء السورية، وذلك إن لم نقل إن الفرص التي كانت ضئيلة في حينه باتت اليوم أشد تضاؤلاً، والتعقيدات التي كانت هي الأخرى شديدة آنذاك، هي اليوم أشد من ذي قبل، خاصة بعد أن وضعت إيران قدمها علناً على ساحة الصراع، عبر مليشياتها متعددة الجنسيات، وتوليها بالإنابة دفة الحرب التي غدت مذهبية.
إلى جانب هذا المعطى السلبي، تبدو المعارضة السورية بجناحيها، السياسي والعسكري، أكثر تشظياً مما كانت عليه قبل عدة أشهر، وأن عنوانها الذي تم اشتقاقه بصعوبة بالغة، ونعني به الائتلاف الوطني، لم تعد له تلك الصفة التمثيلية الوازنة، إثر سحب عدد كبير من الكتائب والألوية المقاتلة ثقتها بهذا الائتلاف، وإطلاقها سلسلة من التحذيرات له بعدم الذهاب إلى "جنيف2" وفق المعادلة الراهنة، الأمر الذي يضع عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها، على طريق مؤتمر لا يثير انعقاده شهية كلا الطرفين المتصارعين اللذين لم يفقد أي منهما رهانه على كسب المعركة في نهاية المطاف.
في مثل هذه المناخات السياسية المشحونة بكل عناصر التوتر، تنفتح على نحو موضوعي أبواب المزايدة السياسية لكل ذي شأن فاعل في هذه الأزمة، وتتعالى أكثر فأكثر أصوات الرفض ضد المشاركة في هذا المؤتمر من كل صاحب أجندة داخلية أو رؤية خاصة لمآلات هذه الحرب الطاحنة. الأمر الذي يجعل استعداد أي طرف للدخول إلى "جنيف2" بمثابة انتحار سياسي، كمن يمضي إلى حتفه بظلفه، ويجلب على نفسه تهماً، ليس أقلها التفريط بالقضية، وخيانة دماء الشهداء، وربما العمالة للدول الغربية.
وأحسب أن الافتراض القائل بأن الولايات المتحدة قادرة في ربع الساعة الأخير على جلب المعارضة السورية إلى مائدة مؤتمر "جنيف2"، هو افتراض بلا أرضية صلبة، لاسيما بعد الانعطافة الأميركية في أعقاب تسليم النظام المتوحش لأسلحته الكيماوية، ناهيك عما أكلته المعارضة من جوز أميركي فارغ؛ الأمر الذي لا يمنح واشنطن دالة كافية على "أصدقائها" الذين يعتقد البعض منهم أن أميركا شريكة النظام في التآمر على ثورة لا تدين للغرب أصلاً بتقديمات السلاح النوعي، أو غير ذلك من إسناد يعادل دعم روسيا وإيران لنظام الأسد.
هكذا، وكما تبدو الثورة السورية في وضعها الراهن عقبة لا يمكن تعويض حضورها لمؤتمر "جنيف2" بأي معارضة شكلية لا نفوذ لها على الأرض، ولا ثقة بها من جانب الممسكين بزمام الموقف العسكري، بقدر ما تبدو الرغبة الأميركية الخجولة حتى الآن، بدعوة إيران إلى مائدة هذا المؤتمر، ومكافأتها على نبرتها التصالحية المراوغة، عقبة أكثر حدة من سابقتها، حتى لا نقول لغماً موقوتاً قد ينفجر قبل موعده، ويتسبب في إحجام قوى إقليمية مرجحة، فضلاً عن المعارضة نفسها، عن المشاركة في حفل خطابة ليس إلا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد عيسى الشعيبي