يسابق قلمي،ويراودني،قول قالته العرب في سالف الزمان،وما أحكم العرب
ويالبلاغة قولهم،ويالعمق المعنى والمغزى،فقولٌ واحد من بضع كلمات،يفسر بمجلدات من أمهات الكتب،فقد قالوا((الحديد البارد يمسكه كل إنسان))نعم فبمقدور كل كائن حي أن يمسك بالحديد البارد دونما إيذاء أو ضرر،سواء أمسكه بيده أو ضغطه بقدمه،أو لعقه بلسانه،أو عضه بالنواجذ،فلماذا لا ينطبق هذا على الحديد الساخن أو الحامي أو الملتهب بالنار،إنها لحكمة بالغة،يتعظ منها أولو الألباب،وهذه هي حال الساحة التي لا تحظى بالحماية،يدخلها من يشاء،والأرض التي لا يدافع عنها تحتل،والمال السائب يكثر لصوصه،والمكان الخراب يعاث به الفساد،وعرين الأسد محمي لا لأنه يخلو من الحديد البارد؟ | | |
ما أشبه هذا القول،السالف الذكر،بالواقع الذي نعيش،فلا نجد إنسانا عربيا على امتداد أوطانهم،لم يتكلم ولم ينتقد ولم يجرح ويتهم،ويتمادى بانتقاء الكلام،مستخدما ألأنا،وادعاء المعرفة والخبير المستشار،طارقا كل المجالات في آن واحد معا،السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية التي لا يتقنها إلا رجالها،سواء كان ذلك في الخطابات أو المحاضرات أو الندوات أو في الدواوين وحتى على قارعة الطريق،فأصبحت الأرض بسهولها وجبالها غرقى في اشكال وألوان التحليل والتنظير،والهمزات واللمزات،لا باتجاه واحد بل بكل الاتجاهات الأربعة مضافا لها الأسفل والأعلى.
إن أسباب هذا التوهان وفقدان الإبرة المغناطسية،والتشتت بالآراء بين الكبير والصغير،بين الذكر والأنثى،وبين العالم والمتعلم،وبين كل المتضادين، ما هو إلا الحديد البارد، الذي يلعب به حتى الأطفال دون خوف أو حرج.
إن من حكم الطبيعة،أن الفراغ يملأ ولو بالهواء،وإذا أفرغت الساحة التي عليها يعيش بني البشر من العدالة والمساواة،وغُيبت حقوق الإنسان،وضاعت الديمقراطية وأفرغت من محتواها،وإن حوربت الأحزاب وندر وجودها وانعدم تأثيرها،فقد برد الحديد،وشاعت شريعة الغاب وكثر الفساد,وانتشرت العنصرية والشللية،وفسدت البطانة وأفسدت معها النور وعمّ الظلام.
إذا انتصبت العدالة وساد القانون على الجميع،ونال كل ذي حق حقه بسهولة ويسر،فلا أبيض ولا أسود،ولا جنوبي ولا شمالي ولا أوسط مظلوم ، ولن تجد متعديا واحدا أو ظالما مستبدا أو مستغلا لوظيفة ومنصب،يلعق من ورائه أموالا طائلة،أو بائعا يبيع كل ما تراه عينه وتطوله يده،بأرخص الأثمان ويبعث في السوق الفساد،وعندما يلتزم المسؤول الحدود ولا يتجاوز الخطوط،وعندما لا تذبح الجزور(الناقة)والكل يقتطع منها ما يشاء،عندها سيحمى الحديد ولن يستطيع أحد الإمساك به إلا بالطرق العلمية المتاحة الصحيحة التي يعترف بشرعيتها الجميع ولا يختلف عليها اثنان.
لا نريد لكرة الثلج أن تكبر،ولكنها لا تطيعنا إن لم نعمل بما يصغر حجمها،لا نريد أن نستعين بحرارة الصيف واشتداد الحرارة،فتموز تغلي الماء بالكوز وآب لهاب،ولكنهما لن يستطيعا إذابة الكرة الثلجية،نعيش الآن شهر رمضان وبه يتفرغ العباد للعبادة،وهوفرصة للاسترخاء وإعادة تقييم الأمور بعد أسابيع وأشهر خلت من التعب والإرهاق من المسيرات والاعتصامات،وأخالني أرى رؤية العين أن الأمور بعد رمضان بحاجة ماسة وسريعة لإحداث تغييرات جريئة تطال مناحي عدة ودون تردد،وأن تعطى القوس باريها.
إن من خيرات هذا الشهر الفضيل أن أعطيت الحكومة وكل مسؤول أين كان موقعه فرصة طيبة للهدوء والتقاط الأنفاس وتقييم الماضي،ووضع الرؤى للمستقبل باستراتيجية واضحة المعالم كالشمس التي لا يراها، يحس بدفئها وحرارتها،دون تأخير أو تسويف،فإن المواطن أكثر وعيا من كل الحكومات،وهنيئا لمن أنار الله قلبه وعقله للإيمان والعمل الصالح،فإن العمى هو عمى القلوب التي بالصدور.
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عبير الزبن جريدة الدستور
|