في الحديث عن رحيل حكومة الدكتور معروف البخيت، كان السؤال الذي انشغلت به الصالونات والنخب السياسية في عمان أمس هو الذي يبدأ وينتهي بـ "متى؟". 
بدا الاهتمام واضحا بمعرفة مصير الحكومة، وكان الأمر محيرا حين ترددت انباء عن تقديم الحكومة استقالتها، ونفي وزراء علمهم بذلك. ومهما يكن من أمر ما قيل فإن الموضوع فتح كل ابواب الاحتمالات مثلما فتح شهية المتنبئين بالأسماء والذين يقرأون الأكف والفناجين قبل أن يضعوا قوائم التشكيل وهم جالسون في بيوتهم!  
لا قيمة كبيرة لتحديد موعد دقيق لاستقالة حكومة راحلة بحكم الظرف الموضوعي واستحقاقات الولوج إلى مرحلة سياسية جديدة تراعي التحولات الداخلية والخارجية، فقد استقر الحراك الإصلاحي في البلاد على سقوف معروفة يحتاج طرحها والبحث فيها إلى حكومة جديدة أكثر انفتاحا على الشارع وأكثر قبولا من قوى الحراك التي سجلت مآخذ كبيرة على إدارة الحكومة الحالية للأزمة، وأسلوب مواجهتها للمسيرات سواء في دوار الداخلية أو في ساحة النخيل. كما استقر المشهد الإقليمي على خيار فلسطيني واضح بالتصعيد الدبلوماسي والسياسي في مواجهة حماقة إسرائيلية غير مسبوقة، وهو ما قد يؤدي إلى تشكل واقع أمني جديد في المنطقة، تتأثر به كل اطراف الصراع، ما يستدعي العمل على تعزيز الجبهة الداخلية بتوافق سياسي ينعكس ايجابيا في الداخل، ويوجه رسائل واضحة إلى الخارج.
الحكومة راحلة قريبا، وهذه قناعة أعضاء فيها. لكن ما ينبغي الانشغال فيه هو شكل وتشكيل الحكومة القادمة، شخصية رئيسها المكلف وهويته السياسية، أسماء الفريق الوزاري وتوجهاتهم ومدى الانسجام بينهم، وحدود قدرتهم على تنفيذ برنامج لا يختلف اثنان على صعوبته وثقل مهماته.
من يشكل الحكومة الجديدة؟ ومن يشغل المقاعد الأساسية في التشكيل الوزاري؟
لا أحد غير جلالة الملك يقرر موعد التكليف أو هوية الرئيس المكلف، لكن الجميع منهمك في تداول الأسماء المطروحة تقليديا قبل كل تشكيل جديد، وسنشهد اليوم ترديدا وتلميعا وترويجا لأسماء كثيرة مجربة في العمل العام، وسيبدو الأمر وكأن الأسماء المتداولة هي التي تحتكر الحكمة والقدرة على إدارة شؤون البلاد والعباد، رغم أن تجارب البعض لا تحمل دلالات على الحكمة، ولا توحي بالقدرة الفذة.
إنها الانحيازات المدفوعة بأحاسيس غير سياسية هي التي تحاول الدفع بأسماء معينة لاعتبارات كثيرة، لكن هوية الرئيس، على أهميتها، لا تعني النجاح أو الفشل، لأن الرئيس لا يقرر منفردا ولا ينفذ وحده سياسة الحكومة، بل يحتاج إلى فريق وزاري قوي لا يخضع اختياره لاعتبارات الترضية والفرز التي ألفناها في تشكيل الحكومات.
ولعل من المفيد لفت انتباه الرئيس المكلف بعد أن يتم تكليفه، إلى ضرورة البحث عن شخصيات وزارية قوية ذات صلاحيات حقيقية وذات قدرة على المبادرة واتخاذ القرارات الصعبة، انطلاقا من إدراك وقناعة ببرنامج الحكومة، وليس من قبيل الاستعراض والمماحكة والغرور والعناد الشخصي الذي تجسد في أداء بعض الوزراء في الحكومة الحالية والحكومة التي سبقتها.
لا نعرف الكثير الآن لكننا نستشعر الحاجة إلى رئيس وزراء قوي ومقبول في الشارع، وطاقم وزاري متمرس وبعيد عن شبهات الفساد. ونستشعر في الوقت ذاته ضرورة انفتاح المعارضة على إمكانية الحوار مع الحكومة الجديدة، والشراكة معها في برنامج عمل وطني يواجه استحقاقات المرحلة المقبلة، وهي مرحلة صعبة تتطلب أداء استثنائيا ومواقف تنطلق من رؤية استراتيجية لا من مصالح وحسابات آنية ضيقة.  

المراجع

rasseen.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   فؤاد أبو حجلة