العطف والحنان سمتان أودعهما الله مخلوقاته كافة، وجعلهما صفتين فطريتين أكثر منهما تعليميتين أو ثقافيتين أو تقليديتين، وجعل هاتين الغريزتين في البهائم والطير والشجر، أكثر مما هما في بني البشر، إلا من كان مؤمنا عاقلا فطنا، فالمؤمن يعمل بتعاليم العقيدة الإلهية السمحة، والعاقل الفطن من أضاف على ذلك الاتعاظ بمن حوله وزاد عليه بفطنته خيرا ونفعا، وهي أيضا حال من حسن رأيه وصاب أمره.
إن من كان معروفا بحسن الرأي في الأمور، التي تلقي بظلالها على العامة، وتؤثر بشأنهم، فواجب عليه أن يكون كالجذور التي لا يمكن أن تعاف فروعها، وتبخل عليها بالغذاء، بل تعطيها خالصا من الشوائب صافياً، وهو قادر على تصويب الأمور بسداد الرأي الذي امتلكه، إما من علم تعلمه، أو تجربة مر بها عبر مرور سني عمره، فغرست به الوطنية الصادقة، بمقدار عطف الأصل على الفرع، حتى نمت واكتمل نموها وأمست كشجر “البوح” المتعاظم حجماً والمتزايد علواً والمتكاثف غصوناً والمتألق أوراقاً، خضراء مصقولة تعكس حر الشمس عمن يستظلها، محصنة نفسها بشموخها وصبرها على صراع الريح العاتية، التي تعمدت هز جذورها لاقتلاعها، ونخر الصقيع لبابها فجمد نموها وأوقف امتدادها.
ومثل ذلك من البشر، الصابر على ضنك الحياة، والمُعاني من شغف العيش وقلة الموارد، وضيق حال اليد، والكاظم للغيظ بما يرى ويسمع من اختلاف الآراء والجدال والنقاش والحوار ما بين حكيم مسن، وشاب يافع متحمس يتجاوز الحدود والأعراف والتقاليد، وبين متزمت تقليديٌ ممسك بقوة وعناد على ما عرف من ماضيه الى آخر عصري متسارع بتلقي معتطيات العصرنة ومحدثاتها دونما التفات الى رادع من قيم سادت بنبلها وعظم أهدافها وعظيم نفع مضمونها، فالعطوف الحاني على أرضه وترابه بمعرفة ما يجب أن يكون، وما هو مطلوب من إصلاح بنهج ومنهجية واعية، حالمة وادعة، وهذا أفضل بكل الفضائل من ضياع الأحساب والأجناس الناجمة عن تلاطم صراعات الربيع، وما سيعقبه من خريف أو يسبقه من شتاء، لا نعرف النهاية وإن كنا مقلدين لغيرنا في البداية، فنكون أشبه بصاحب الظل، الذي إذا أملته قليلا امتد ظله وزاد، وإن تجاوزنا بإمالته كثيرا قصر ظله ونقص، فإن أحزم الحكماء وأكيسهم من آثر العلاج باللين وكره العلاج بالقوة، والحكيم أيضا من زاد نفعه من أعوانه، أهل العون والمعونة، وانتفع بهم بالرأي والمشورة، كما ينتفع البحر من الأنهار، أو بما ينتفع الفرع من الجذر، وهذه حال أهل اللُحمة الطاهرة، وأهل الوطنية الصادقة، ( الرحماء فيما بينهم).
إن الأرض إذا أجدبت، وقل ماؤها، وغارت عيونها، وذوى نبتها، ويبس شجرها، رحل عنها الغريب، ومكث بها أهلها، فالغريب لا يهمه أمرها ومآلها، باحث عن غيرها، ليتمتع بغزير مالها ومائها ووفرة عيشها، وإن كان عالة على أهلها، فهو كحامل الفأس يقطع بها الشجر، وكحامل الخنجر يقطع به اللحم، ولا يأبه إن حرمهما التكاثر والتوارث، فالأرض عزيزة على أهلها، والوطن يحميه شيبه وشبابه، رجاله ونساؤه، فالنار يطفئها الماء والسم يذيبه الترياق، والشوق والحنين للوطن يطفئه العمل والإخلاص والولاء والإنتماء، والفروع لا يغذيها إلا الجذور.
ولعل الحذر من العواقب وإمعان التفكير بإتقاء الشرور، والبحث عن علاجها، أمر مستحسن ومستحب، لا بل مفروض، عند كل ذي لب، ولا سيما إذا كانت العواقب وخيمة، و وشيك حدوثها، نابعة من الداخل أو مستوردة، من صنع وإنتاج محلي أو مصدّرة من جوار أو من عدو، فمن كان يعمل بمختبرات السموم لابد له من الإحتفاظ بالترياق، فالأحداث حولنا تعاظمت ، ونيرانها استوقدت، فهذه سموم ونحن مالكوا الترياق، وأن من يقدر على العلاج ولا يعمل به أو يتأخر عنه فإنه ليس بعاقل، وإن سلامة الأمور مرهونة بأوقاتها، وإلا ضاعت الفرص، وأضاعت معها الكثير، والفرصة لا تعود، وهي أشبه بالقرار الذي إن جاء متأخرا، فإنعدامه أفضل منه، وإن جاء سابقا لأوانه استهجنته العامة وأفسدته.
فها نحن بهذا الوطن، نرى ونسمع ونراقب، نتعظ ونمعن الفكر، فهو ينتظر منا سلامة القرار، فقد توصلنا الى قناعة مليئة بالحكمة، أن بقاء أمن أردننا مصان محم بعقول وسواعد أهله هو الهدف والمبتغى، وإن بيتنا الهاشمي المظلل بخيمة الأسرة الهاشمية، هي الباقية الدائمة، نشد حبالها ونثبت أوتادها وننصب عمدانها، ويلتف حولها أسرة متحابة متجانسة، لا انفصام لعراها.
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عبير الزبن جريدة الدستور