الإصلاح سمة التاريخ المدرجة في سجلاته، ولو لم يكن إصلاح منذ القدم، لما تكونت مجتمعات وصنعت حضارات، لذا فالكون أجمع في حالة تغير مستمر، وما هذا ناتج إلا عن إصلاح ينشده الإنسان أينما حل في هذه الكرة الأرضية، لأنه مدني بطبعه، وهذا الإصلاح يأتي بدرجات متفاوتة بين أمة وأخرى، وهذا التفاوت له أسبابه، لأنه يحتاج لأسس ومبادئ، تحدد اتجاهاته وتحكم نتائجه، فهو أشبه بالبنيان يشد أزره بعضا، يرتكز على اساس ثم يعلو، على يد صانع ماهر حاذق.

في المملكة الأردنية الهاشمية، كثيرون هم المصلحون، الذين يريدون منه دولة عصرية نموذجية، فخر لهم وقدوة لسواهم، وعندهم العزم والتصميم على إحداث التطور النوعي، الذي يبدأ ببناء مجتمع قائم على وحدة الصف والهدف والقيادة، ينازعهم بذلك بعض يسير من الناس، يشدهم الى الوراء، ونسمعهم يرددون عبارات وأقوال، لا يعوا مدلولها ومعانيها، فهي أشبه بالبذرة الفاسدة، وإن زرعتها لا تساوي التعب عليها، لأنها لا تنتج شيئا مهما ارتوت، وفريق آخر ينازع الطرفين برفض كل شيء لأنه يخاف من التغيير، ويحتسبه كالظلام يقود الى المجهول.

لذلك لن نكون يوما ولا حتى للحظة مع التغيير الذي يأخذ الأسلوب السلبي، الذي يحدث الفوضى بالصفوف ويربك الآخرين، هذا الأسلوب بغيض ومقيت لأنه غير مدروس، ولا يحسب العواقب التي تنتج عنه من خسائر بشرية ومادية، وهذا النوع من الأساليب محكوم عليه بالفشل قبل أن يخطو الخطوة الأولى.

نحن مع الإصلاح المنهجي، الذي يسير بهدوء وبخطى ثابتة ومتزنة، متدرجة من حسن الى الأحسن، يقوده الحكماء والعقلاء أهل العلم والخبرة، يحمونه من الزلل والتحول الى الفوضى، لتبقى صورة الإصلاح سليمة غير مشوهة، تحافظ على خط المسير الذي رسم لها، لا خوف ولا رعب، إصلاح يبدأ من الجذور ثم يرقى، وليس خرابا من الجذور ثم يفعل ما تفعله النار تأكل الأخضر واليابس، ثم يلبسون التدمير ثوب التغيير، فتهدم مكونات الدولة، وتهزم الروح، ويتسرب الضجر والملل الى النفوس، وتتحول الى معاول هدم، تنهش جسد الأمة، لتميتها ولا تحييها.

نقيضان متوازيان لا يلتقيان أبدا، الفوضى والإصلاح، فالفوضى تقود الى العنف والصدام، والانتقال من الإنسانية الى الوحشية، كما نسمع ونرى قربنا وحولنا، حمانا الله من شرور الفوضى والانفلات، الذي يكوي وتتألم منه الأجيال القادمة، كما تقود الفوضى أيضا الى ما هو أخطر مما ذكر، وهو ضياع الهوية الوطنية عندما يبدأ الصراع الطائفي والعقائدي.

نبدأ الإصلاح باجتثاث الفساد، دون خوف أو وجل، فلماذا الخوف منهم وهم الأضعف والشعب هو الأقوى؟

لماذا نخشاهم وهم السارقون والشعب هم الشرفاء؟

لماذا التأخير بمقاضاتهم وزج المذنب منهم في السجون ووراء القضبان؟1

لماذا التأخر بإعادة الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة؟

هل وراء ذلك علامات إستفهام؟

ما أسباب هذا التباطؤ والتراخي (تعجب لا استفهام)

إن التباطؤ هذا بمثابة أصابع اتهام توجه لمن يهمه الأمر، صاحب القرار، من الحكومة تحديدا صاحبة الولاية، لا يجوز الاختباء وراء الوقت، لعل الزمن يأتي بالعلاج، الشعب يريد أدلة للإقناع، يريدها واقعا ملموسا، تتمثل بإنجازات حقيقية، ليس تمثيلا أو تخديرا، نريد أن نراهم رؤية العين، ونسمع أقوالهم في التحقيق، فالبريء يفرح بهذا الأسلوب، لأن براءته تأتي على العلن وأمام الشعب كله، والمذنب كالمبلول لا يخشى المطر، فعنده سيان.

ثم التدرج بالإصلاح ضمن الزمن المقبول والمنطقي، بقوانين أحزاب، وقانون انتخاب نيابي، محدث عصري، يأتي بالأكفأ والأقدر، ويقود الى حكومة منتخبة، شرعية ديمقراطية، وقوانين أخرى ناظمة للحياة وضابطة لها، علما بأن الشعب يعلم جيداً أن الدولة تسير بهذه العناوين فقط دون المضامين متباطئة، لكنه يريدها متسارعة، طوعية لا قسرية، فيكفي انتظارا، حتى لا ننقاد الى الاعتقاد بالقول إن كل من صاح أصلح، بل نلجمه بالعمل الجاد الحقيقي، دون مراوغة ومواربة، وعندها نقول بملء الفم: ( ليس كل من صاح أصلح).

حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عبير الزبن   جريدة الدستور