بعد انتهاء الحراك الشبابي الكبير على دوار الداخلية وما آل إليه الوضع في البلد، وبين مؤيد ومعارض لما جرى من أحداث مؤسفة لم نكن نرغب في أن نرى مثلها في وطننا الذي تشكل فيه الحكمة طوقاً حامياً لكل فرد فيها، ظهر الأداء السياسي للحكومة في مشهد ضعيف للغاية يتطلب منا وقفة تأمل وقراءة في طبيعة الأداء السياسي للحكومة الحالية، ليس للانتقاد، وإن كان سائغاً الآن لمصلحة البلد، لكن للإصلاح الذي هو عنوان المرحلة، ونداء الملك لجميع القيادات.
أولاً، فيما يخص الشباب العنصر الذي قاد اعتصام "الداخلية"، أو انقاد إلى الاعتصام والمناداة بإصلاحات وتغييرات فاجأت الشارع الأردني، وفاجأت الحكومة وكافة الأجهزة المعنية بأمن البلد لارتفاع سقفها، رغم أنها ظهرت غير منتظمة في إيقاعها المطلبي لتشتت الأفكار في ساحة الحدث، والتباين في الطرح، وإقحام عناصر متنوعة في الرؤى والأهداف تواجدت في مكان الاعتصام، ظهر اختلال سياسي في فكر هذا الشباب الذي يعلق الوطن عليه آمالاً كبيرة في المستقبل، وفتح الحديث مجدداً عن دور التنمية السياسية الغائبة، وضعف التعاطي مع هذه الفئة الأكثر أهمية في الشارع، فيما لم تكن لدينا آليات لإدارة الأزمة بصورة حكيمة تجنبنا ما حدث.
ثانيا، فيما يخص الإصلاح المقنع للشارع، وسرعة التحرك لبيان برامجه من خلال لجنة شعبية حزبية نقابية تضم شخصيات يقدر الشارع دورها، ويطمئن لنتائجها فيما بعد، وهي بالضرورة يجب أن تكون مختلفة في نهج تشكيلها عن النهج الحكومي التقليدي في تشكيل اللجان "منزوعة الدسم". هنا قصرت الحكومة وتركت الباب موارباً لفوضى سياسية، ولم تقدر على تكوين تجمع فاعل في هذا الاتجاه، وتسرعت في تشكيل "لجنة الحوار الوطني" التي كان الأمل كبيراً في أن تأخذ دورها المطلوب لبناء نافذة تطل على آفاق الإصلاح برؤية تجذب كافة الأطياف وتتفهم خصوصية الحالة، لكنها لم تكن بحجم الطموح.
ثالثاً، تفتقر الرؤية الإصلاحية "التي تفهمها الحكومة" إلى خطة استراتيجية لأمن المجتمع في ظرف متأزم قابل للانفجار في كافة الصفوف. لو كانت لدينا إدارة أزمة حقيقية وعلمية تجتمع فيها رؤية الحكماء مع الخبرة والحداثة، والقدرة على استيعاب الحدث لما وصلنا بشبابنا إلى مستوى الانفجار.
رابعاً، الحركة الإسلامية التي تشكل قلقاً كبيراً للحكومة لعدم مشاركتها في أي حراك مقترح حتى اللحظة لقيادة الإصلاح على مستويات مختلفة، وهي أيضاً ترفض الحراك البرلماني في هذا الموضوع، وبعد ما حدث في اعتصام "الداخلية" أصرت الحكومة على تصعيد موقفها مع الإسلاميين من دون النظر إلى حجم تأثيرهم في الحراك الشعبي، وكان الأنفع للجميع أن لا تدخل الحكومة في صدام جديد مع هذه الجماعات، ومحاولة فتح حوار أوسع معها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المسؤولية تقتضي البدء بحوار جدي وباستراتيجية مختلفة مع المعارضة لضمان عدم تكرار ما جرى.
خامساً، مسؤوليات الحكومة الحالية تجاه المرحلة وأمن البلد والخروج بإصلاحات حقيقية تقنع الجميع هي الأهم، وليس البقاء في مواجهة مع الشارع الذي يعاني اليوم فوضى كبيرة في الحراك السياسي لن تفضي إلا لمزيد من الفوضى، والتيه، ولا يمكن الجزم بما ستؤول إليه حالة التيه هذه إذا ما بقيت الحكومة في مواجهة مع الإصلاح على أساس أنه معطل للدولة. يجب أن تأخذ حكومة الدكتور معروف البخيت مسؤولياتها بمزيد من الجدية، وأن تعمل على إدارة أزمة البلد مع المعارضة بحكمة وهدوء، ولا عيب في الرجوع إلى الخبراء من رجال الدولة، ومحاورة الشباب علناً وقبول التغيير في ملامح المستقبل، وعدم إجراء عمليات تجميلية ملّ الشارع من أعراضها الجانبية الخطيرة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد فراس النعسان