قبل أسبوعين قرأت على المواقع الإلكترونية شكوى من أحد المغتربين الأردنيين في دولة خليجية حول عدم قبول الملحقية العسكرية، استيفاء رسم تأجيل خدمة العلم بالعملة المحلية لتلك الدولة، أو بما يسمى "الدينار القنصلي"، وطُلب منه دفع دينار أردني أو أخذ دفتر الخدمة والمغادرة لحين إحضار الدينار! وبالصدفة التقيت قبل يومين بصديق قديم مغترب في دولة خليجية اتضح لي أنه تعرض لنفس الموقف عند مراجعته للسفارة الأردنية.
الغريب في الأمر أن توجيهات جلالة الملك تدعو دائماً لتسهيل معاملات المواطنين الأردنيين أينما وجدوا كجزء أساسي من حركة الإصلاح، التي بدأت كافة الأجهزة بتنفيذها بناءً على التوجيهات السامية، فيما يصر موظفون من الصف الثاني على إضاعة أي مكتسبات إصلاحية بتصرفات رعناء لا تمت بصلة إلى أخلاقنا الأردنية الطيبة، أو إلى التوجيهات الرسمية، أو إلى الجانب الحضاري في التعامل مع ابن البلد، وهو يعامل أحياناً معاملة "الغريب" داخل سفارة بلده، وأحياناً بشكل عدائي.
الصديق المغترب الذي التقيته في عمان أثناء زيارته القصيرة قبل يومين ليقوم بشراء مزرعة في وطنه، وإيداع وديعة مالية "كبيرة" في أحد البنوك الأردنية، وتسجيل عقار جديد باسم زوجته، لم تثنه تصرفات الموظفين "الصغار" معه في السفارة أثناء مراجعته لهم لتأجيل خدمة العلم، عن الاستثمار في بلده، وهو بشكل أو بآخر تجديد للولاء للوطن، ودعم لاقتصاده الذي يحتاج إلى شحذ همم الأردنيين المغتربين ليساهموا في تنشيطه بصورة فاعلة، خاصة أننا مقبلون على موسم الصيف والإجازات.
روى لي صديقي تفاصيل ما حدث معه داخل السفارة، وهي حادثة لا تنم عن أي انتماء للوطن من موظفين يفترض أنه تم ضمهم إلى البعثة الدبلوماسية، ليمثلوا الأردن أمام الجالية والمجتمع المحلي في تلك الدولة. فقد تعامل معه موظف في الملحقية العسكرية بصورة عدوانية للغاية، وحاول تعطيل معاملة تأجيل خدمة العلم، التي لا تأخذ سوى دقيقة واحدة، بأساليب منفرة، والسبب أن هذا المواطن اعترض على بطء الإجراءات، وعدم وجود مكان للجلوس لحين وصول الدور إليه ليقدم معاملته. وكان المواطن شديد التهذيب في اعتراضه على فوضى لا يقبلها ابن البلد داخل سفارته، ولا يمكن لشخص يحب وطنه أن يسكت عنها.
هذا التعامل السلبي مع المغتربين الأردنيين لم أسمعه فقط من شخص واحد، وبالتأكيد من يقرأ هذه الأسطر يشاركني بحوادث مماثلة حصلت معه شخصياً أو مع مغتربين يعرفهم. وثمة شكاوى عديدة تتناول الأقسام القنصلية التي تفتقر للتجهيزات الحضارية التي يضاف إليها بالطبع التعامل المنفر من قبل بعض الموظفين القنصليين مع المغترب. وللعلم، فإن المغترب لا يملك أن يحصل على إجازة طويلة لمراجعة سفارة بلده لإكمال معاملة بسيطة، ولذلك يجب على الأجهزة المعنية في الأردن أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وبالمقابل يجب على الدبلوماسي، أو الموظف المحلي في السفارة العلم بأن تسهيل معاملة المغترب بابتسامة صغيرة وتعامل حضاري يسهمان في الإصلاح المنشود في الدولة، ويعكسان صورة مشرقة عن البلد.
نتفهم أن الحكومة تسعى للإصلاح في كافة المجالات، ولديها التوجيهات الملكية في هذا الخصوص، ونعلم أن الضغوطات تولد أحياناً أخطاء وعثرات، ولكننا لا نطلب الشيء الكثير في هذه المرحلة، ولا نطلب تغيير سلوك بشري بصورة مفاجئة، لكن يجب أن يعرف كل من يمثل الأردن في الخارج أن الوطن أمانة في عنقه، وأعتقد أن الوقت حان لإعادة تأهيل الدبلوماسي الأردني، وآليات تعامله مع المراجعين للقنصليات، والسفارات، ونتمنى من وزارة الخارجية عدم التساهل مع أي موظف يسيء للوطن.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   فراس النعسان