خلال فترة الثمانينيات، إبّان الحرب العراقية-الإيرانية، والتحركات السياسية الكبيرة التي شهدتها المنطقة، وأثناء فترة ما قبل دخول القوات الأميركية إلى العراق وإحداث التغيير الأكبر في جسد الشرق الأوسط، كان للدور السياسي المحوري الأردني بروزه الواضح إقليميا وعالميا، وهو ما أدى إلى وضع الأردن على لائحة اللاعبين الأكثر أهمية سياسيا في المنطقة، ولفترة طويلة من الزمن.
تلك المرحلة يعدها رجال السياسة مرحلة ذهبية قادت الأردن إلى المشاركة في الحراك السياسي الذي أعاد تشكيل ملامح المنطقة، وبالطبع دفع بنا إلى أن نكون بعيدين عن الذين تفاجأوا بالشكل الجديد للشرق الأوسط. وربما يكون لهذا الأمر عيوب عديدة، لكن الشيء الذي يطغى على هذه العيوب هو أن السياسة الأردنية استطاعت أن تتفادى عنصر المفاجأة والتغيير المفروض على الجميع من دون أن يمس ذلك خطط الدولة وبرامجها، والقوائم المؤسسية التي ترفع صرحها. 
الدور السياسي المحوري للأردن بعد هذه النقطة، أو انطلاقا منها، دفع بالجميع إلى انتظار دور أكبر قد تلعبه المملكة إقليميا يساعد الشرق الأوسط الجديد على تفادي المزيد من الأزمات. وقد أدت التوقعات الكبيرة من الأشقاء في المنطقة إلى التوجس خيفة في أحيان كثيرة من دور السياسة الأردنية في محور التحولات القادمة. لكن هذا الخوف ما لبث أن تلاشى مع ظهور مصداقية التحذيرات الأردنية بأن ثمة تغييرا كبيرا ينتظر المنطقة بكافة دولها، ومن الداخل، لكن مع تواجد العنصر المحرك الخارجي بصورة غير مباشرة.
اليوم تظهر التحركات السياسية الأردنية في أوجها، وتعود المملكة للعب دور محوري في سياسة الشرق الأوسط، لكن هذا الدور لا يتعدى كونه دورا مساعدا، كي يتمكن الأشقاء من تجاوز المحن التي أثرت على النمو والتطور المتوقعين سياسيا واقتصاديا في المنطقة، وقادت إلى تحولات لا رجعة بعدها إلى نقطة الأصل.
يجب أن يبقى الدور السياسي الأردني مرشدا وناصحا إلى أن تخرج المنطقة من أزمتها. لذلك، علينا أن ننظر إلى ما استفدناه من خبرات واسعة في نطاق إدارة الأزمة، وإفادة دول الجوار بها لمصلحة شعوبها واستقرار أنظمتها على الوجه الذي يرضي الضمائر والتاريخ، وإن كانت الصفحات القادمة ستحمل الكثير من الاتهامات والتشويه، لكن الأهم هو النظر إلى مستقبل المنطقة وشعوبها وعدم ثني النصيحة عن الخروج.
الكل يعلم أن المملكة يطلب منها الكثير، وهي تساهم بصورة فاعلة في وضع النقاط المناسبة للكلمات في مكانها، وتنسيق جمل لمفردات جديدة تحملها الأيام القادمة لنا كأردنيين، ولكافة أشقائنا العرب الذين نؤمن على الدوام بأن أمنهم هو أمننا، وهم يعلمون بأن الأردنيين لم يكونوا يوما حاملين لسلال التنظير، بل إنهم كانوا على الدوام يفردون أرغفتهم ليتقاسموها مع الأشقاء في المحن.
الهمّ الأكبر اليوم هو أن يكون لنا دور محوري إيجابي وحقيقي، ليس لأن ثمة خوفا من "ويكيليكس" قادم في المستقبل، وليس لأن أحدا سيحاسبنا على ما فعلنا في الأزمات، بل لأن الوقت قد حان لتحكيم الضمائر، ومن كان يظن أن لا ضمير للسياسة، خاب ظنه عند أول صرخة حديثة للشعوب، طالبت بإسقاط كل فاسد، ونجحت بأن تفرض على الجميع سياسة جديدة، أعادت إلى العرب ربيعهم، وأثبتت أن الضمير "الخارجي" الذي يتحكم بشعوب المنطقة لم يكن خالصا لمصلحتها، لذلك لفظته الأرض العربية، ولم يعد ثمة مكان لضمير سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار أن العرب عادوا إلى أصولهم وأصالتهم.

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   فراس النعسان