بداية، يجب التأكيد على أن الوقت حان ليبدي مجلس النواب الأردني اهتماماً أكبر بقضايا الشعب الذي انتخب أعضاءه ليكونوا أمناء على الأمة فيما يخص حياتهم اليومية ومعيشتهم ومستقبل أبنائهم. وها قد سنحت الفرصة لنواب الشعب كي يثبتوا أنهم أهلٌ للثقة عبر بوابة قضية الكازينو التي ستضع حكومة الدكتور معروف البخيت الثانية على المحك من جديد بعد أن نفذت، على ما يبدو، من مطب "خالد شاهين".
الحكومة الحالية واجهت خلال وقت قصير من عمرها عدة معوقات استطاعت أن تثبت أنها تقف على مسافة بعيدة من الإصلاح الذي ينشده الشارع في الوقت الراهن. ذلك أن الحالة تتطلب حكومة أكثر انسجاماً مع الشعب، وليس حكومة مثقلة بماضٍ مليء بالملابسات التي يطالب الشارع بمحاسبتها عليها، لتغدو هي مشغولة عن الإصلاح بالدفاع عن ذاتها.
الشعب، في الواقع المرّ الذي يعيشه، كان غنياً عن حكومة تحتاج لوقت طويل من عمرها كي تغسل قميصها مما علق فيه، وكان المأمول هو تشكيل حكومة قادرة على بدء العمل بالبرامج الإصلاحية فوراً ومن دون تأخير لخدمة الشارع الأردني الذي ملّ من خطط التسويف والالتفاف على مطالبه من كل الحكومات السابقة.
اليوم يشعر المواطن الأردني أنه في مواجهة مصيرية مع الحكومة الحالية، ومع مجلس النواب في الوقت ذاته، وإن كان قد قدم رأيه صراحة في غير مكان من المملكة، مطالباً برحيل الحكومة، وتشكيل حكومة ترقى إلى مستوى الفهم الطبيعي للمرحلة.
المطلوب الآن، بعد أن تكشفت الحقيقة بأن حكومة الدكتور البخيت ستبقى منشغلة لوقت طويل بالدفاع عن نفسها، هو حسم الجدل القائم بشأن قدرة الحكومة على إحداث إصلاح متقن، يتفاهم مع كافة الأطياف السياسية والاجتماعية في الدولة، وإن لم يكن ذلك سريعاً فنحن ندفع بمركبة الإصلاح للسير عكس الاتجاه، وتأزيم الشارع من جديد.
الانقلابات التي حدثت داخل الحكومة لم تكن سوى رسم دقيق لمستقبل العمل الذي قد ينتج عنها، وإن كنت أفضل لو سارت الأمور بعكس ذلك وأخذ الدكتور معروف البخيت فرصته الكاملة لإثبات قدرته في قيادة فريق وزاري محترف يرقى إلى مستوى الإصلاح الذي ينشده سيد البلاد والشعب، وهو برؤية مبسطة يظهر منسجماً وموحداً إلى أبعد الحدود.
فحينما نادى الشعب برحيل حكومة سمير الرفاعي قلنا بأن الناس لا يعجبها العجب، وأن أزمة الثقة بين المواطن والحكومات المتعاقبة هي السبب، ولكن ثبت أن ثمة أسباباً عديدة كان الشارع يستوعبها جيداً، وأن رحيل تلك الحكومة جنبنا الدخول في أزمات خطيرة لا مجال لتفصيلها، لكننا اليوم نعيش الحالة ذاتها بين الشعب وحكومة البخيت، وقد ظهر بالفعل أن الأزمة تكبر كلما تأخر الحسم بشأن هذه الحكومة، وأن الشارع لديه أسبابه حين يطالب بتغيير وزاري وليس تعديلاً كما يفهم البعض.
أهمية التغيير الحكومي لا تأتي من مجرد مطالبة الشعب بذلك فقط، بل هي تحتاج منا إلى وقفة تأملية في الوقت الذي قد تصرفه الحكومة في الدفاع عن عثراتها، ووضعها خططاً وبرامج للتهرب من المسؤولية تجاه قضايا عديدة ربما تكون أكبر من قضيتي "الكازينو" و"خالد شاهين"، وهذا بالطبع يعطل حركة التفكير في الإصلاح، وبرامجه، وقوانينه، ويؤدي إلى ظهور مشكلات جديدة تتعلق بعدم الوصول إلى مستويات فهم المواطنين، ويزيد من شحنات الغضب في الشارع.
لا بد من التسليم بأن أزمة الحكومة الداخلية تتفاقم يوماً بعد يوم، وطريقها إلى الشعب يزداد وعورة، فمن سيستفيد من نتائج بقاء الحكومة في المرحلة المقبلة؟ ومن سيقبل بمخرجاتها؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد فراس النعسان