الغرب يصنع الأنظمة السياسية التي يريد ، وقارئ التاريخ يعي ذلك ، والتاريخ عبره إذا كان التأريخ صادقا وخاليا من الشوائب , ليس مدفوع الأجر ولا مقبوض الثمن ، بعيدا عن المغالاة ، ويكفي إيضاحا لهذا تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية , حين ظهرت قوة القطب الواحد , وبدأت بالتفرد بهذا العالم البائس المنكوب , فكم من أنظمة صنعتها , وسلطتها على رقاب الشعوب , بدكتاتورية بشعة , حققت لها الارتواء والشبع من خيرات البلاد، من خلال زعامات صنعت خصيصا وأحكمت صنعها لهذه الغاية .
كل مواطن يعرف جيدا , أن ممارسات الحكام ليست بإرادتهم , ومن يقول غير هذا كمن يغطي الشمس بالغربال , وإنما هم منفذون محترفون لتنفيذ ما يؤمرون , لمناهج وضعت بعناية , من عقول أخلصت لخدمة بلادها , ونظمت أعمالها بمؤسسية دائمة , لا مزاجية فيها ولا محسوبية ولا جهوية , تصدر عن لسان السيد للمسود , لتجد طريقها سالكة , لا عثرة فيها ولا مطب, لا يؤخر مسيرها سؤال ولا استفسار , لانه لا يوجد من يجرؤ على ذلك ؟
|
مدة بقاء هؤلاء الحكام مرهونة بصلاح أدائهم وولائهم , وسرعة تنفيذ ما هو مطلوب منهم , وقدرتهم على التلون والمراوغة لشعوبهم , والقدرة على خداعهم بإظهار الحرص على شأنهم , مكثرين على مسامعهم من خطابات الوطنية والقومية , ثم المبالغة بالعداوة للإمبريالية والاستعمار , مطعمين السمك لحم اليهود , حين نعق الغراب يوما ( تجوع يا سمك ) .
انتهت صلاحية ابن علي , فأنزلوه الدرك الأسفل من المهانة والمذلة , وانتهت صلاحية القذافي , فقذفوه بالصحراء , تأكله الوحوش والجرذان , وحسني لم يحسنوا ختامه , فكان مأواه السجن المؤبد , وصالح لم يصلحوا شكله ومظهره , بعد أن حرقوه وشوهوه , وهناك من بقيت من مدة صلاحيته برهة من الزمن , ونراه يرقص كالطائر الذبيح قبل أن يلحق بسابقيه , وآخرون يفادون حشرجات الموت بتقديم خيرات بلادهم , قربانا وتقربا , وتوسلا بطلب الرضا , حتى أن الحياء لم يردعهم ليفعلوه سرا , بل علانية ومجاهرة , لأن الأهم من المهم هو البقاء بالحكم , حتى وإن حامت الطيور فوق الجثث , وأشبعت هوام الأرض لحوم البشر , وما غصت بها حناجرها حينما سحقت عظام أهلها .
سياسة الهيمنة غدت مكشوفة , كلما اهترأت جلود استبدلت بجلود غيرها , وحتى الأمل يقتل مجرد الحلم به , ووميض الضوء يطفأ حال ظهوره , كل مسموع من القول أكاذيب , بالأمس ما كان حراما أصبح اليوم حلالا , حين أخذوا قروضا على قاعدة , الضرورات تبيح المحظورات , وياللعجب ! هل لكل قاعدة شواذ ! وهل ينطبق هذا على ذاك ؟ فأصبح التلاعب بالكلمات يقلب الحقائق والمبادئ ( الجلال والإجلال والانحناء لعقيدتنا السمحة )
النيران المشتعلة بالجوار لا نستطيع أن نطفئها , وإن كنا نتمنى ذلك , ولكن بالتأكيد لنا القدرة على تجنبها وحماية أرضنا وممتلكاتنا , وعلينا وجوب فعل ذلك , فرضا مفروضا , عينا لا كفاية , عاجلا ليس آجلا , فإن لم نفعل فقد لعبت بنا الأهوال كما غيرنا , لا أن نصبر وننتظر ونعتقد أن النجاة بهما , ولن يتحقق ذلك إلا بقوى وطنية واعية , توحد جهودها وتبرز أمام الصفوف , لتكون نصرة للوطن ونصيرا لقائد الوطن .
حمى الله الأردن وشعبه ومليكه.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عبير الزبن جريدة الدستور
|