بينما تزداد الأحداث ضراوة في سورية، ويزداد العنف المستخدم ضد المواطنين المطالبين برحيل النظام، تظهر علامات الاستغراب والاستهجان على ملامح العرب تجاه التصريحات الغربية، وخاصة الأميركية، فيما يخص الحدث.
الخطاب الأميركي الذي يتناول الموضوع على أنه استخدام مفرط للعنف، أو فقدان لشرعية النظام السوري، أو خروج عن المألوف في التعامل مع متظاهرين، يبتعد حتى اللحظة عن توظيف عبارات تشير إلى المتظاهرين على أنهم مواطنون أبرياء أو متظاهرون عزل، أو أي عبارات من شأنها بث رسالة إيجابية للمتظاهرين لتمنحهم مزيداً من الدعم المعنوي، أو تشير إلى قرب موقف أميركي دولي حازم بشأن النظام.
المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن نشر تقريراً حول التواجد الاستخباراتي الغربي المكثف في سورية، والنوايا تجاه البلد الذي ينقسم الرأي بشأنه خلف الستار، وليس كما يظهر بالتصريحات بأنه كله يصب في انتقاد النظام السوري. هذا التواجد الاستخباراتي تعتمد عليه الدول الكبرى لتقرر، بعد نسبة لمخرجاته المعلوماتية، فيما إن كان التحرك ضد النظام مهماً بالنسبة لها أم أنه في غير صالحها. ولكن لماذا تعتمد أميركا على هذا الجهد الاستخباراتي المتأني، في حين أنها كانت من أشد المنتقدين لنظام الأسد في سورية عبر السنوات الطويلة الماضية؟
العلاقة بين الولايات المتحدة وسورية لا ترتبط برؤية الحق والمثاليات التي كان المتظاهرون يعتقدون أنها ستقود واشنطن لحشد قوة دولية للإطاحة بنظام بشار الأسد، بل ثمة نوع آخر من العلاقة يحكم المصلحة الأميركية في التدخل الآن، أو فيما يلي لتقرير مستقبل سورية، وهي علاقة ضمانة واضحة لأمن إسرائيل بالدرجة الأولى، ثم أمن المنطقة التي تحتوي حلفاء البيت الأبيض بهدوء وسكينة يحرص النظام الأميركي على دوامها، ولو مؤقتاً.
التقرير البريطاني يشير إلى تواجد عناصر من جهاز الاستخبارات الإنجليزي في عدة مدن سورية مهمتهم تتلخص في البحث والتقصي وجمع المعلومات حول من سيحكم سورية في حال زوال نظام بشار الأسد، ومن سيقبل الشعب السوري به لقيادة مرحلة حكم جديدة، إذا تحققت، وهل سيكون هذا النظام بمواصفات مرغوبة غربياً أم لا؟
مثل هذه الجهود الاستخباراتية تحتاج إلى فترات طويلة لتجمع المعلومات التي تدخل فيما بعد مرحلة التحليل والمشاركة مع الإدارة الأميركية في النتائج، حيث تعمل واشنطن أيضاً على جمع المعلومات المشابهة، وكذلك فرنسا، وغيرها من الدول التي وظفت أجهزتها الاستخباراتية لتتحقق من ماهية الحدث في سورية وما ستؤول إليه الأمور في حال زوال النظام.
لكن المسألة برمتها ليست في صالح المتظاهرين السوريين أو أي مواطن عربي يقف إلى جانب الشهداء في حماة، ودير الزور، ودرعا، وحمص، فقد تهدأ الثورة وتفقد من أبنائها الآلاف قبل أن ينتهي الجهد الاستخباراتي من وضع نتائج عمله، خاصة أن الجيش السوري يكثف عملياته في إشارة إلى أنه يريد إخماد الثورة قبل أن تظهر بوادر التهديد الحقيقي من واشنطن.
النظام السوري لديه معلومات قوية حول التواجد الاستخباراتي الغربي في بلاده، وما يقوم فيه حالياً من عمليات أشد عنفاً وتوسعاً وتشعباً تثير التساؤل عن معنى تسريب المعلومة حول التواجد الغربي في قلب الحدث، وما ترغب فيه أميركا وبريطانيا خلف الستار من النظام السوري قبل التدخل المباشر!
الظاهر للعيان، ومن خلال التحليل المبسط للحدث ومفرداته، هو أن واشنطن لا ترغب بالتدخل المباشر في الوقت الراهن في سورية، لكن التحليل المنطقي بعد فضح التدخل الاستخباراتي الأميركي، يدل على أن البيت الأبيض ينوي التدخل العسكري، لكن بعد أن يكون "الأسد" قد حصد أكبر قدر ممكن من قوى التظاهر والثورة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد فراس النعسان