قبل أيام ودع العالم العام 2013 بكل ما فيه من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية لا تتسع سطورنا القليلة هذه للحديث ولو عن أهمها، لكننا سنتوقف عند بعض المحطات الاقتصادية والتي تعنى على وجه الخصوص بتطور مسيرة المصرفية الإسلامية وأبرز ما شهدته خلال 2013 سواء على الصعيد الوطني أي المصارف الإسلامية العاملة في الجهاز المصرفي الأردني أو على الصعيد العالمي.
فعلى الصعيد الوطني، يمكن لنا اعتبار أهم حدث يستوجب الحديث عنه والوقوف عند أهميته وهو إقرار مجلس الوزراء للمشروع المعدل لمؤسسة ضمان الودائع بحيث تصبح العضوية إجبارية للمصارف الإسلامية العاملة ضمن الجهاز المصرفي الأردني بدلا من العضوية الاختيارية التي كانت قبل هذا القانون، وقد اعتبر هذا القانون مكسبا لكافة المودعين في المصارف الإسلامية العاملة في الأردن ويوفر لهم الأمان والثقة ويشجعهم على وضع مدخراتهم بكل اطمئنان، كما واعتبر مكسبا للمصارف الإسلامية من خلال دمجها في القوانين والتشريعات المصرفية وبما ينسجم وفلسفتها الإسلامية ويوفر لها البيئة المناسبة للمنافسة مع بقية المصارف العاملة في الجهاز المصرفي وزيادة حصتها في السوق المصرفي الوطني، كما نقل هذا التعديل المصارف الإسلامية إلى مرحلة جديدة ومتقدمة من العمل المصرفي وعزز تجربتها خاصة بعد أن أثبتت قدرتها على التعامل مع الاحتياجات التمويلية المختلفة للاقتصاد الوطني.
أما على الصعيد العالمي، فكان انعقاد القمة المصرفية العربية الدولية للعام 2013 في فيينا للفترة من 27-28/6 تحت شعار (دور المصارف في بناء القدرات المدنية في الدول ما بعد النزاعات).
قد يكون هناك هدف سياسي من وراء انعقاد هذه القمة، لكن الحقيقة المُسَلَّم بها أن القطاع المصرفي يمثل العمود الفقري لأي اقتصاد وهو المحرك لخطط التنمية والمسؤول الأول عن توفير كافة الاحتياجات التمويلية لها، خاصة إذا علمنا أن اقتصاداتنا العربية هي الأكثر حاجة لهذا الدور مع تزايد الأزمات الاقتصادية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى ما تشهده العديد من الدول العربية من تحولات سياسية أدت بالنتيجة إلى آثار اقتصادية واجتماعية تركت تحديات صعبة بحاجة إلى جهود مخلصة لتجاوزها.
والحدث الثاني البارز يتمثل في انعقاد المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي تحت شعار "عالم متغير... علاقات جديدة" في لندن شارك فيه العديد من رؤساء الدول والحكومات وأصحاب القرار الاقتصادي والمالي، في الوقت الذي تشهد فيه المؤسسات المصرفية والاقتصادية الإسلامية نموا سريعا وانتشارا واسعا حتى وصل إلى عقول أصحاب القرار المالي والاقتصادي في الدول الغربية ورسّخ لديهم القناعة بالإيجابيات التي جعلت من هذا الاقتصاد ومؤسساته المالية والمصرفية يفرض نفسه وبقوة في أسواقهم المالية، وقد رأينا لندن كبرى العواصم الأوروبية تستضيف أكبر مظاهرة اقتصادية إسلامية بهدف استقطاب الاستثمارات الإسلامية سواء في القطاع المصرفي أو القطاع الإنتاجي وكذلك قطاع التجارة الدولية.
الأهمية التي تسجل لهذا المنتدى كونه رسّخ القناعة التي قادت دول العالم إلى الاهتمام بالمصرفية الإسلامية وأدواتها التمويلية بحيث أصبحت حقيقة راسخة في عالم المال والأعمال وتستقطب الاهتمام من العديد من رجال الأعمال وأصحاب القرار الاقتصادي في العالم، وكيف أن هذا المنتدى أظهر لنا أن الدول الغربية أصبحت في سباق لجذب الاستثمارات الإسلامية إلى أسواقها المالية والانفتاح أكثر على العالم الإسلامي رغم "الفوبيا" التي تولدت لدى الكثيرين من الإسلام والمسلمين.
بعد لندن، جاءت دبي لتُنظم مظاهرة اقتصادية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها تمثلت في "القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي"، للفترة 25-26/11/2013، تم حشد المئات من المختصين في المصرفية الإسلامية ورجال الأعمال من شتى أنحاء العالم، حيث ركزت هذه القمة على محاور عدة منها تأكيد الابتكار والتجديد لأدوات مالية طويلة الأجل ثم العمل على إنشاء نظام مالي آمن، وتأكيد أهمية المسؤولية الاجتماعية للمصرفية الإسلامية في مكافحة الفقر والبطالة، وكذلك تشجيع الدول والمجتمعات التي تحتضن مؤسسات ومصارف إسلامية لإنجاح هذا الدور، وأخيرا السعي لخلق بيئة استثمارية جاذبة مصدرها الثقة والأمان والاستفادة من الإمكانات التي توفرها المصرفية الإسلامية بأدواتها المختلفة وإمكاناتها المتاحة.
ومما يجدر ذكره الاهتمام الواسع في موضوع الصكوك الإسلامية في العام 2013 على مستوى العالم كوسيلة تمويلية خالية من سعر الفائدة؛ حيت اتجهت العديد من الدول إلى التوسع في إصدار هذه الصكوك كما هو في السعودية ودول الخليج العربي وتركيا وماليزيا وكذلك توجه بعض الدول الغربية وخاصة بريطانيا إلى تبني واعتماد الصكوك الإسلامية في توفير حاجاتها التمويلية.
نأمل في أن يكون العام 2014 مرحلة تحوّل في مسيرة المصرفية الإسلامية نحو الابتكار الجاد لأدوات مالية تغطي حاجاتنا التمويلية كافة وكذلك كسب المزيد من الأسواق المصرفية التي ما تزال مترددة في اختيار المصرفية الإسلامية كليا أو جزئيا ضمن أنظمتها المصرفية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   غسان الطالب