عقيل بن سالم الشمري
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الغاية العظمى من أحاديث السنة النبوية العمل بها وتطبيقها، ولا يكون ذلك إلا بعد فهمها والغور في معانيها، واستخراج ما هو أغلى من اللؤلؤ والمرجان، وقد سبق إلى ذلك سلفُنا الصالح، فكانت رسائلُ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - خيرَ شاهد على إفراد كل حديث من أحاديث السنة بالدراسة، خاصة في جانب فوائده التربوية الإيمانية، فأحببت أن أسير على منهجه في دراسة الحديث من حيث الفوائد المستنبطة، ويكفيني أن أحاكي القوم وأتشبه بهم في الطريقة، وقد اخترت حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما))، واختياري يرجع إلى عدة أمور:
1- لصحته، فقد رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
2- لأنه حديث قدسي يرويه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - سبحانه وتعالى -.
3- لأنه يجمع فقرات عدة، وهذا مظنة لكثرة الفوائد.
4- لتداوله على ألسنة الخطباء والوعاظ وغالب الناس اليوم.
5- سهولة ألفاظه التي سهلت حفظه.
وقد جعلت منهجي في استنباط فوائد هذا الحديث أن أقسم الحديث إلى أجزاء، ثم أستنبط من كل جزء ما فتح الله به علي من الفوائد، وقد يوجد في بعض الفوائد شيء من التداخل إلا أن ذلك لازم لمن أراد أن يحلل ألفاظ الحديث، ويدقق في الفوائد المستنبطة، ويقتنص الوقفات التربوية، والآن إلى نص الحديث، ثم إلى الفوائد المستنبطة منه.
نص الحديث:
عن أبي ذَرٍّ –رضي الله عنه-: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عن اللَّهِ- تبارك وتعالى -أَنَّهُ قال: ((يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا من هَدَيْتُهُ فاستهدوني أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسوني أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعًا فاستغفروني أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زَادَ ذلك في مُلْكِي شيئاً، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي شيئاً، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يا عِبَادِي إنما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ)).
فوائد الحديث:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا))، فيه فوائد كثيرة ومنها:
الفائدة الأولى:
دل الحديث على أن الله يتكلم - سبحانه وتعالى - كما يشاء، كلامًا يليق بجلاله وعظمته، كما هو منهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، كما أن لفظ الحديث يرد على كل من نفى صفة الكلام عن الله متأولاً أو غير متأول، وذلك لصراحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله)).
الفائدة الثانية:
في الحديث مناداة الله لعباده، وهذا من رحمته بهم، وأنه أقرب لهم، وهذا مما يبعث السكينة في قلوب عباده المؤمنين.
الفائدة الثالثة:
دل الحديث على أن جميع الخلق عباد الله شرعًا وقدرًا، أما المؤمنون فهم عباد الله الذين استجابوا لأمره، وأما الكفار فهم مخاطبون أيضاً بهذا الحديث لدخولهم تحت العبودية لله قهرًا.
الفائدة الرابعة:
الحديث يدل على لطف الله بعباده، حيث بدأهم بالمناداة من غير سؤال منهم وبهذا يفرح المؤمنون.
الفائدة الخامسة:
دل على أن صفة العبودية تشريف؛ لأن مقتضى الخطاب أن يختار المنادي أحب الأسماء للسامع فيناديه بها، فالله اختار صفة ((يا عبادي)) مما يدل على أن من دخل من العباد تحت هذه الصفة؛ فقد شَرُف غاية الشرف، فإن العبودية لله تقتضي الخلاص مما سواه.
الفائدة السادسة:
تقديم النداء ((يا عبادي)) دليل على أهمية ما بعده، فإن هذا المقصود من النداء، ولهذا فإن المؤمن يصغي سمعه لما يقال بعد النداء، خاصة إذا كان من ربه، كما في الحديث.
الفائدة السابعة:
دل الحديث بلفظه الصريح على تحريم الظلم مطلقاً، وذلك من عدة أوجه:
أ- حرف التوكيد "إن".
ب- ضمير المتكلم "الياء" في قوله ((إني)).
ج- لفظ التحريم في قوله ((حرمت)) وهو يفيد المنع أكثر من أي صيغة أخرى.
د- "أل" الجنسية في قوله ((الظلم)) التي تفيد الاستغراق، فيشمل جميع أنواع الظلم.
هـ- تكرار لفظي "التحريم والظلم" في قوله: ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))، فنلاحظ تكرار "حرمت ومحرما" وقوله: "الظلم فلا تظالموا"، ولا شك بأن هذا التكرار يفيد المنع بصورة أكبر.
و- ختم الجملة الأولى من الحديث بقوله: ((فلا تظالموا)) مع أن المعنى المراد فُهم مما سبقها في قوله ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً)).
فإن المعنى قد تم عند قوله ((محرماً)) لكنه أعاد المعنى المراد مرة أخرى بقوله: ((فلا تظالموا))، وهذا أيضاً يفيد المنع قوة.
الفائدة الثامنة:
دل الحديث أن الله هو المشرع المُحِل المُحرِّم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فإن قوله: ((إني حرمت الظلم على نفسي)) تدل على تحريم الله لما يشاء وبالمقابل تحليله لما يشاء.
الفائدة التاسعة:
يؤخذ من الحديث أن من صيغ العزيمة على الطلب أو الترك أن يخبر الواحد عن نفسه، ويبدأ قبل غيره، ولهذا فإن الله أخبر عن نفسه فقال: ((إني حرمت الظلم على نفسي)).
فمن أراد أن يأمر أمرًا، أو ينهى عنه فليبدأ بنفسه قولاً وعملاً، فإن ذلك أشد وقعًا.
الفائدة العاشرة:
فيه إثبات النفس لله - سبحانه وتعالى -.
الفائدة الحادية عشرة:
دل على عدم التلازم بين ما يحرمه الله على نفسه وما يحرمه علينا، فقد:
أ- يحرم على نفسه أمرًا ويحرمه أيضًا علينا كالظلم في هذا الحديث.
ب- يحرم على نفسه أمرًا ولا يحرمه علينا كجميع النقائص من السنة والنوم وغيرها.
ج- يبيح لنفسه أمرًا ويحرمه علينا كالكبر في حقه - سبحانه وتعالى -.
والظلم من النوع الأول، ولهذا قال: ((وجعلته بينكم محرماً)) مما يدل على أن هناك أمورًا حرمها على نفسه لم يحرمها علينا، -والله أعلم-.
الفائدة الثانية عشرة:
قوله: ((فلا تظالموا)) يحتمل معنيين:
أ- النهي عن البدء بالظلم، أي أن يبدأ الإنسان أخاه بالظلم.
ب- النهي عن الرد والانتقام بالظلم، أي أن ينتقم الإنسان لنفسه بظلم غيره.
وكلا المعنيين مراد في الحديث، فالظلم منهي عنه ابتداء واستدامة.
الفائدة الثالثة عشرة:
يفهم من الحديث تحريم إنكار المنكر عن طريق ظلم صاحبه، ولا يسوغ لنا المنكر الذي يمارسه صاحبه أن نتعدى حدود الشرع فيه فنقع بالظلم.
الفائدة الرابعة عشرة:
دل الحديث على أن الظلم لا مصلحة فيه البتة، ولهذا مُنع وحُرم تحريماً مطلقاً.
الفائدة الخامسة عشرة:
قوله: ((وجعلته بينكم محرمًا)) يفيد أن الإنسان عليه الاستسلام لحكم الله، فلا يقدر على تبديله أو تغييره، وهذا كما أنه في الظلم فكذلك في سائر أحكام الله التي جعلها بيننا.
الفائدة السادسة عشرة:
دل الحديث على أن الظلم لن يقع منه - سبحانه وتعالى - أبدًا، ولهذا لم يعد صيغة التحريم على نفسه كما أعادها في حق الناس.
فقد قال في حق الناس: ((وجعلته بينكم محرماً)) ثم أعاد التحريم مرة أخرى فقال: ((فلا تظالموا))، أما في حق نفسه - سبحانه وتعالى - فقال: ((إني حرمت الظلم على نفسي))، ولم يقل: "فلن أظلم"، مما يدل على أنه لن يظلم أبدًا فإنه إذا حرم شيئًا فلن يفعله، بخلاف الناس فقد يحرم الله عليهم أمرًا فيفعلونه، فاقتضى أن تتكرر صيغة المنع في حقهم فقط.
الفائدة السابعة عشرة:
لفظ الحديث في تحريم الظلم يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في معنى الظلم الذي حرمه الله على نفسه، وهو: أن الله قادر على الظلم لكنه حرمه على نفسه؛ والتحريم والمنع يكون للشيء المقدور عليه، أما المستحيل والممتنع فغير مقدور عليه أصلاً حتى تمنع منه النفس.
الفائدة الثامنة عشرة:
الحديث رد على أصحاب وحدة الوجود؛ لأن الحديث أثبت أن هناك ربًّا يحرم، وهناك عبادًا حُرم عليهم أيضًا الظلم، فهما شيئان مختلفان رب وعبد.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) فيها فوائد، منها:
الفائدة التاسعة عشرة:
تكرار النداء في قوله: ((يا عبادي)) فيه زيادة عناية بعباده ورأفة ورحمة وشفقة عليهم، حيث تكرر النداء في الحديث تسع مرات، وهو أمر يوحي لك بالمبالغة في ذلك.
الفائدة العشرون:
قدم في الحديث الضلالة والهدى على الجوع والطعام، والعري واللباس، فقال: ((كلكم ضال إلا من هديته)) قبل قوله: ((كلكم جائع))، وقوله: ((كلكم عار)) ذلك من باب تقديم الأهم، فالضلال أشد خطرًا من الجوع والعري، والهداية أتم من الطعام واللباس.
وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا، وأن ندرك خطر الضلال أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري.
الفائدة الحادية والعشرون:
دل الحديث على أن كل من لم يهده الله فهو ضال، ولهذا قال: ((كلكم ضال)) فلم يستثن من ذلك أحدًا.
الفائدة الثانية والعشرون:
دل الحديث بصريح لفظه أن الله هو الهادي المضل، وهذا من كماله - سبحانه وتعالى -.
الفائدة الثالثة والعشرون:
دل الحديث على أن الهداية بيد الله لقوله: ((إلا من هديته)) فمنه تطلب، وبه يستعان للحصول عليها، فعلى من طلبها أن يلتجئ لمالكها ويستجديه ويلح عليه، فإنها فضل منه - سبحانه - ومنّة.
الفائدة الرابعة والعشرون:
دل على عدم الاعتماد على النفس، وعدم الوثوق بالصفات الشخصية في تحصيل الهداية؛ لأنها بيد الله يؤتيها الله من يشاء، ولهذا أسند الله الهداية إلى نفسه فقط فقال: ((فاستهدوني أهدكم))، فلا يغتر الإنسان بما لديه من قدرات وذكاء، بل إنك تجد في الواقع المرير من هو مفرط في الذكاء بعيد عن الهداية، والأمر بيد الله وحده.
الفائدة الخامسة والعشرون:
قوله: ((فاستهدوني أهدكم)) ومثله ((فاستطعموني أطعمكم)) و((فاستكسوني أكسكم)) كلها تفسير عملي لقولنا: "لا حول ولا قوة إلا بالله " الذي يدل على أن الإنسان لا تحول له، ولا قوة على التحول إلا بإعانة الله له، ومن ذلك هدايته والضروريات من حياته كطعامه ولباسه، وهذا يبين لنا ضرورة الارتباط بين المؤمن والحوقلة من خلال أمثلة الحديث المذكور.
الفائدة السادسة والعشرون:
دل قوله: ((كلكم ضال)) وقوله: ((كلكم جائع)) وقوله: ((كلكم عار)) على تساوي الخلق عند الله، وأن التفاضل بينهم يكون على الأعمال التي يعملونها.
الفائدة السابعة والعشرون:
يدل قوله: ((فاستهدوني أهدكم)) على تفاوت الناس في الهداية بناء على طلبهم إياها من الله، وعلى ما يعطيهم الله منها، فليسع الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من الهداية، خاصة وأن طريق طلبها واضح هو طلبها من الله.
الفائدة الثامنة والعشرون:
دل على إثبات منهج أهل السنة والجماعة في قولهم: إن الإيمان يزيد وينقص، فإن الهداية تزيد وتنقص كما دل عليه هذا الحديث.
الفائدة التاسعة والعشرون:
في هذا الجزء من الحديث فتح لباب التنافس في دروب الخير والأعمال الصالحة؛ فإن قوله: ((فاستهدوني أهدكم)) تفتح باب طلب الهداية، فمن شاء فليوسع ومن شاء فليقصر، وكذلك بقية الأعمال التي هي تطبيق عملي لهداية الله للإنسان، فترى المجتمع يتفنن في تحصيل أنواع الأعمال الصالحات.
الفائدة الثلاثون:
هذا الجزء من الحديث ((كلكم ضال إلا من هديته)) يعطينا تصورًا حقيقياً عن معشر البشر الذين نخالطهم، فهم ضُلال إلا من هداه الله، وجوعى إن لم يطعمهم الله، وعراة إن لم يكسهم الله، وهذا التصور يفيد في معرفة التعامل مع الناس، ويحدد لنا مقدار اعتمادنا عليهم في تحصيل المراد، كما يورث فينا العزة ونحن نتعامل مع قوم لا يملكون لأنفسهم طعامًا وكساءً فضلاً لغيرهم، فتجد المؤمن على هذا يعاملهم ويعرف قدرهم خوفاً ورجاءً.
الفائدة الحادية والثلاثون:
في قوله: ((إلا من هديته)) بيان لفضل الرسل الكرام - عليهم السلام -؛ لأن الله هدى بهم الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فعلى أيديهم كانت هداية الناس، فكم لهم من الفضل علينا بعد الله، ونحن لا ندرك ذلك حقيقة الإدراك، فصل اللهم وسلم عليهم جميعاً.
الفائدة الثانية والثلاثون:
يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظة من لحظات حياته؛ لأن قوله: ((كلكم ضال إلا من هديته)) يفيد العموم في كل أوقات الإنسان، فهو ضال محتاج لهداية ربه، وهذا يفيد تعلق المؤمن بربه دائمًا، وهو - سبحانه وتعالى - أولى به.
الفائدة الثالثة والثلاثون:
الله - سبحانه وتعالى - أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فقال: ((فاستهدوني أهدكم)) فهذا أمر ووعد، فلا عذر بعد ذلك للبطال.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم))، وهذا فيه من الفوائد ما يلي:
الفائدة الرابعة والثلاثون:
دل هذا الجزء من الحديث أن الإنسان ضال حتى عن أمور معاشه وملبسه إن لم يهده الله إليها وييسرها له، وهذا يبين عظم فاقة الإنسان لربه.
الفائدة الخامسة والثلاثون:
يربي الحديث افتقار المؤمن لربه حتى في طعامه وشرابه وملبسه، فالإنسان جائع عارٍ إن لم يطعمه الله ويكسه.
الفائدة السادسة والثلاثون:
دل الحديث بصريح عبارته أن الرزق من عند الله، فعلام يحزن الإنسان إن فاته نصيبه؟
الفائدة السابعة والثلاثون:
الحديث يشعر بأن الله يقسم الأرزاق بين عباده، فيطعم هذا ويحرم هذا، ويكسو بعض العباد ويعري آخرين، والمؤمن إن علم ذلك خرج من قلبه الحسد، فعلام الحسد على شيء ليس للعبد فيه تصرف، وإنما المتصرف الله - سبحانه وتعالى -، وبهذا أيضًا يزيد اليقين في قلبه برزق الله.
الفائدة الثامنة والثلاثون:
في الحديث إظهار لمنَّة الله - سبحانه وتعالى - على خلقه في هدايته لهم وإطعامهم وكسوتهم، وهذه المنَّة لا حدود لها، ويجب أن تقابل بالشكر.
الفائدة التاسعة والثلاثون:
يربي الحديث المؤمن على التفكر في حياة نفسه، من طعامه وشرابه ولباسه، وهذا من أعظم الأشغال التي ينبغي أن ينشغل بها المسلم.
الفائدة الأربعون:
التفكر في معاني الحديث يطرد العجب والكبر من قلب المؤمن، فإذا كان لا يستطيع أن ينفع نفسه في أهم ضرورياته من الأكل واللباس فبماذا يفخر ويعجب؟
الفائدة الحادية والأربعون:
نص الحديث على الطعام في قوله: ((كلكم جائع إلا من أطعمته)) ولم يذكر الشراب؛ لأنه داخل في معنى الطعام، فذكر أحدهما يغني عن الآخر.
الفائدة الثانية والأربعون:
قُدم الطعام على الكساء في الحديث من باب تقديم الأهم بالنسبة للخلق، فالإنسان يصبر على العري إلا أنه يشق عليه الصبر على الجوع، فتناسق الحديث حسب اهتماماتنا.
الفائدة الثالثة والأربعون:
دل هذا الجزء من الحديث على أن الله هو المطعم والكاسي - سبحانه وتعالى -، فكل طعام أو كساء رُزقه العبد فهو من ربه فليحمده عليه.
الفائدة الرابعة والأربعون:
دل الحديث بالمقابل على أن من أصابه الجوع والعري فالله منعه، فعليه الرجوع وطلب الأمر من مصدره - سبحانه وتعالى -.
الفائدة الخامسة والأربعون:
اقتصر في الحديث على الضروريات في الحياة من الطعام والكسوة لتعلق قلوب الناس بها أكثر من غيرها، ولأنه يدخل عليهم الضرر في فواتها أكثر مما يدخل الضرر في غيرها، وإلا فإن كل شيء بيد الله، والله معطيه أو مانعه.
الفائدة السادسة والأربعون:
لم يرد في رواية مسلم ذكر للمال، فلم يقل: وكلكم فقير إلا من أغنيته فاستغنوني أغنكم، والذي يظهر من السبب -والله أعلم- أن المال غير مقصود لذاته، وإنما يقصد للطعام والكسوة وضروريات الحياة، فاستغنى بذكر الغاية عن الوسيلة.
الفائدة السابعة والأربعون:
أظهر الحديث ضعف الإنسان غاية الضعف؛ إذ لا يملك لنفسه هداية ولا طعامًا ولا كساء، فأي ضعف فوق هذا الضعف، وهذا الذي يجعل الأمر محتماً على الإنسان ألا يستقل بنفسه وإنما بغيره، ولا يوجد أقوى من أن يرتبط بربه، كما أن الحديث أظهر حاجة الإنسان لربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين حتى في ضرورياته التي لا بد له منها.
الفائدة الثامنة والأربعون:
دل الحديث على أنه ما من نعمة دقت أو عظمت إلا هي من عند الله، وهذا يؤخذ من قوله: ((كلكم جائع إلا من أطعمته))، ومعلوم أن الطعام متفاوت قلة وكثرة.
الفائدة التاسعة والأربعون:
في الحديث دلالة على أن العري مذموم عند جميع البشر، يسعون لرفعه عن أنفسهم كما يسعون في رفع الجوع، وبهذا نرد على طائفة الطبائعيين الذين يرون أن من الطبيعة أن يبقى الإنسان عاريًا، وكفى بهذا الحديث ذمًّا لهم عند جميع البشر.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم))، وفي هذا فوائد كثيرة منها:
الفائدة الخمسون:
مناسبة هذا الجزء من الحديث ((إنكم تخطئون بالليل والنهار)) لما سبق قبلها من قوله: ((كلكم عار إلا من كسوته)) أنه لما ذكر العري الحسي، ذكر بعدها العري المعنوي وهي الذنوب، فتناسقت ألفاظ الحديث.
الفائدة الحادية والخمسون:
دل هذا الجزء من الحديث على كثرة خطأ بني آدم لقوله: ((إنكم تخطئون بالليل والنهار))، وهذا أصل فيهم، فلا يحق لأحد ادعاء الكمال.
الفائدة الثانية والخمسون:
دل هذا الجزء من الحديث على عظيم علم الله - سبحانه وتعالى - الذي لا تخفى عليه خافية، إذ إنه يحصي جميع خطايا بني آدم.
الفائدة الثالثة والخمسون:
دل قوله: ((إنكم تخطئون بالليل والنهار)) على حلم الله - سبحانه وتعالى - الذي يرى خطايا بني آدم ولا يعاجلهم بالعقوبة.
الفائدة الرابعة والخمسون:
في الحديث رد على القدرية الذين يزعمون نفي تقدير الله للمعاصي، فالحديث صريح في أن الله علم ذنوب العباد وقدرها لقوله: ((إنكم تخطئون بالليل والنهار)).
الفائدة الخامسة والخمسون:
في الحديث فتح لباب الرجاء أمام المذنبين.
الفائدة السادسة والخمسون:
دل قوله: ((وأنا أغفر الذنوب جميعًا)) على أن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فالحمد لله على مغفرة ربنا.
الفائدة السابعة والخمسون:
دل قوله: ((فاستغفروني أغفر لكم)) على أن الإنسان لا غنى له عن الاستغفار؛ لأن ذنوب العباد بالليل والنهار فلا يزيلها إلا الاستغفار، فالحمد لله الذي فتح لنا بابًا له.
الفائدة الثامنة والخمسون:
دل قوله: ((إنكم تخطئون بالليل والنهار)) أن الله كتب على ابن آدم حظه من الذنوب مدرك ذلك لا محالة، فعلى الإنسان الاشتغال بالمجاهدة، ومحاولة التقليل والإصلاح بعد الوقوع.
الفائدة التاسعة والخمسون:
دل الحديث على أن الله كتب علينا الذنوب، إلا أنه فتح بابًا لإزالتها، فيعالج هذا بذاك.
الفائدة الستون:
هذا الجزء من الحديث ((إنكم تخطئون بالليل والنهار)) يربي في قلب المؤمن مراقبة الله؛ لأن الله يعلم ذنوبه ويطلع عليها.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني))، وهذا فيه من الفوائد ما يلي:
الفائدة الحادية والستون:
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبله أنه لما بيّن لهم نعمه على العباد، وأنه يطعمهم ويكسوهم ويهديهم، بيّن لهم في هذا الجزء من الحديث أنهم لن يصلوا إلى ضرره أو مصلحة تعود إليه، فقال: ((إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)).
الفائدة الثانية والستون:
قدم الضر في هذا الجزء من الحديث على النفع، فقال: ((لن تبلغوا ضري))؛ لأن الغالب الحرص على دفع الضر قبل جلب النفع، فجاء الحديث تمشياً مع الغالب، -والله أعلم-.
الفائدة الثالثة والستون:
الملاحظ أنه في جملة نفي الضر عنه أكدها بقوله: ((إنكم لن تبلغوا ضري))، أما الجملة الثانية ((ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)) فخلت من التوكيد، والذي يظهر أن ذلك لتمام بيان عجز البشر في جانب إنزال الضر بالله - سبحانه وتعالى -، فأكد هذا المعنى بحرف التوكيد "إنكم"، وفي ذلك من هوانهم وضعفهم ما فيه.
الفائدة الرابعة والستون:
دل الحديث بصريح لفظه عن استغناء الله عن خلقه تمامًا، وفي ذلك من عظمته وملكه ما يوجب التعلق به وحده.
الفائدة الخامسة والستون:
دل الحديث على أن الله هو الذي يُحَب لذاته، وهذا لله وحده، فإن غيره يعطي لمصلحة ترجع إليه أو لدفع ضرر عنه، وهذا يُنقِص قدر محبته، أما الله - سبحانه وتعالى - فيعطي الخلق لا لمصلحة ترجع إليه، ولهذا يحبه المؤمن كل الحب وأخلصه.
ثم قال: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً))، وفي ذلك من الفوائد ما يلي:
الفائدة السادسة والستون:
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما سبق من قوله: ((إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)) أن ما سبق فيه نفي النفع والضر مباشرة من الخلق لله - سبحانه وتعالى -، ثم بيّن بعدها نفي النفع غير المباشر، وإنما عن طريق أعمال العباد فاكتمل الكمال لله - سبحانه وتعالى -، فكأن المعنى أن الله يقول لعباده: لن تبلغوا ضري أو نفعي مباشرة، أو غير مباشرة وإنما بحسب تقواكم وفجوركم، -والله أعلم-.
الفائدة السابعة والستون:
نسب التقوى والفجور في الحديث للقلب، مما يدل على أنه محلها، فليهتم المؤمن بقلبه.
الفائدة الثامنة والستون:
قوله: "واحد" للتأكيد وهي أكمل حالة يكون عليها الناس، أن يكونوا جميعًا على أتقى قلب رجل منهم، فإن حالات التقوى المتصورة بناء على الحديث:
أ- أن يكون بعض الخلق أتقياء.
ب- أن يكون كل الخلق أتقياء.
ج- أن يكونوا على قلب رجل تقي منهم.
د- أن يكونوا على أتقى قلب رجل منهم، وهذه أكمل الحالات، فالحديث نفى زيادة ملك الله في هذه الحالة الأكمل، فانتفاؤه في غيرها من باب أولى، وكذلك الأمر بالنسبة للفجور.
الفائدة التاسعة والستون:
دل قوله: ((ما زاد ذلك في ملكي شيئًا)) على أن مُلْك الله بلغ منتهاه في العظمة والسعة، فلا يزاد فيه شيء - سبحانه وتعالى -.
الفائدة السبعون:
قوله: "شيئًا" نكرة في سياق نفي فتعم أي شيء، وهذا المنتهى في عظمة ملك الله؛ إذ لا يزداد بمقدار أي شيء ولو كان متناهي الصغر.
الفائدة الحادية والسبعون:
قوله: ((أولكم وآخركم)) يدخل فيه ما ذكر في الراويات الأخرى من قوله: ((حيكم وميتكم)) ،وقوله: ((ورطبكم ويابسكم)) فعمت الروايات المخلوقات كلها -فسبحان الله-.
الفائدة الثانية والسبعون:
دل الحديث بصريحه على أن الله لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، فمهما كان الخلق أتقياء لم يزد ذلك في ملك الله شيئاً، ومهما كان الخلق فجارًا لم ينقص ذلك من ملك الله شيئاً.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر))، وفي ذلك من الفوائد ما يلي:
الفائدة الثالثة والسبعون:
مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبلها من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً))، فقد يقال بأن الفجار لا يسألون الله ولذلك لا ينقص ما عند الله، فأتت هذه الجملة "قاموا في صعيد واحد فسألوني" لتزيل هذا اللبس، ولتبين لنا عظم ما عند الله مع سعة عطاياه.
الفائدة الرابعة والسبعون:
دل هذا الجزء من الحديث بمنطوقه على عظمة ما عند الله من عدة أوجه، وهي:
أ- أن السائلين هم الخلق جميعًا أولهم وآخرهم لقوله: ((أولكم وآخركم)).
ب- أن من ضمن السائلين الجن أيضاً لقوله: ((وجنكم)).
ج- أن هؤلاء السائلين جميعاً قاموا في مكان واحد، فكانت حاجاتهم في وقت واحد ومكان واحد، ولا شك أن هذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانوا متفرقين.
د- أن حاجات هؤلاء السائلين مختلفة متفرقة، وهذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانت حاجاتهم متفقة.
هـ- أن الله أجاب هؤلاء السائلين كل فيما طلبه.
ومع كل هذا لم ينقص مما عند الله - فسبحانه وتعالى - ملكه.
الفائدة الخامسة والسبعون:
في الحديث ضرب الأمثال، وهذا من وسائل التقريب.
الفائدة السادسة والسبعون:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) هذا التشبيه يدل على عظم ما عند الله مقارنة بما أعطى السائلين.
الفائدة السابعة والسبعون:
هذا التشبيه يدل على أن ما عند الله لا ينقص ولا ينفد، وذلك من خلال ما يلي:
أ- البحر كمية هائلة من الماء لا حساب له.
ب- المخيط أداة صغيرة لا يعلق بها شيء.
ج- المخيط صقيل لا يعلق به ماء أصلاً.
فكانت النتيجة أن البحر لم ينقص أصلاً، فما عند الله أعظم من البحر.
الفائدة الثامنة والسبعون:
تدل على كرم الله - سبحانه وتعالى -؛ إذ يسأل عباده أن يسألوه، ويعدهم بالإجابة.
الفائدة التاسعة والسبعون:
قوله: ((فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي)) مرادف لقوله - تعالى -: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)) {الحجر: 21}.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه))، وفي ذلك من الفوائد الشيء الكثير، ومنها:
الفائدة الثمانون:
في هذا الجزء من الحديث رد على الجبرية؛ إذ نسب الأعمال للعباد، فقال: ((إنما هي أعمالكم)).
الفائدة الحادية والثمانون:
في قوله: ((إنما هي أعمالكم)) مع قوله: ((فاستهدوني أهدكم)) تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر وهو: أن الهداية والإضلال بيد الله، والعبد له قدرة واختيار، وعمله ينسب إليه، ولهذا نسب الأعمال إليهم فقال: ((أعمالكم)) ولا يكون هذا إلا مع مباشرتها بقدرتهم واختيارهم.
الفائدة الثانية والثمانون:
قوله: ((ثم أوفيكم إياها)) تحتمل الموافاة في الدنيا، وتحتمل الموافاة في الآخرة، وعلى هذا ما يصيب الإنسان في الدنيا من سوء فبسبب أعماله، فليحذر العبد المؤمن.
الفائدة الثالثة والثمانون:
على القول بأن الموافاة تكون في الدنيا، فإن حرف"ثم" في قوله: ((أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)) يفيد التراخي، وعلى هذا قد يعمل الإنسان السوء ثم تتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا لا نغتر بحلم الله عنا، ولا نأمن من الاستدراج، وبالمقابل قد يعمل الإنسان الخير وتتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا نحتسب أجورنا عند الله في الآخرة.
الفائدة الرابعة والثمانون:
دل قوله: ((أحصيها لكم)) على أن كل ما عمل الإنسان من عمل فهو مكتوب محفوظ عند الله، وعلى هذا كم من الذنوب نسيها الإنسان وهي مكتوبة عليه؟ فلنلزم الاستغفار.
الفائدة الخامسة والثمانون:
في قوله: ((أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)) إظهار للعدل الذي اتصف الله به، والذي تمثل هنا في موافاة كل عامل بما عمل، وهذا يرجح مذهب أهل السنة في تفسيرهم الظلم الذي تنزه الله عنه بأنه بخس إنسان من حسناته، أو أن يوضع عليه من أوزار غيره، وهذا نفاه الله لعدله في قوله: ((إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)).
الفائدة السادسة والثمانون:
جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة، وهي:
أ- المحبة: وهذا في جميع ألفاظ الحديث حيث إنها تزيد من محبة العبد لربه.
ب- الرجاء: وهذا في قوله: ((وأنا أغفر الذنوب جميعا)).
ج- الخوف: وهذا في قوله: ((إنما هي أعمالكم أحصيها لكم)).
وعلى هذه الثلاثة تدور بقية الأعمال القلبية.
الفائدة السابعة والثمانون:
دل قوله: ((فمن وجد خيرًا فليحمد الله)) أن دخول الجنة يكون بفضل الله وحده، وليس بمجرد الأعمال، فإن أعمال العباد لا تؤهل الإنسان لدخول الجنة، وإنما يدخلها المؤمنون بفضل الله، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يدخل أحدًا عملُهُ الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)) أخرجه البخاري (5349)، ومسلم (2816).
الفائدة الثامنة والثمانون:
يدل الحديث على أن الجن مكلفون بعبادة الله - سبحانه وتعالى - كالإنس، وسيحاسبهم الله على أعمالهم، كما في لفظ الحديث.
الفائدة التاسعة والثمانون:
يورث الحديث الحياء من الله - سبحانه وتعالى -، فمع غناه الكامل وعظمته إلا أنه ينادي عباده لدعائه واستغفاره.
الفائدة التسعون:
الحديث دليل على أن الله يحب مدح نفسه، وهو أهل للمدح، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من شخص أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه)) متفق عليه، أخرجه البخاري (4358) و(4922) و(6968)، ومسلم (2760).
فهذه تسعون فائدة تخللها فوائد أخرى، يسر الله وأعان على استنباطها فله الحمد وحده، سائلاً الله أن ينفعني بها، وأن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المراجع
alukah.net
التصانيف
تصنيف :عقيدة الدّيانات
|