فرق كبير بين الفخامة والضخامة.. إنه كالفرق بين الرشاقة التي تدلل على العافية والصحة، وبين السمنة المفرطة التي تنتهي إلى الترهل القاتل.
تحولت صحف عالمية كثيرة خلال السنوات الأخيرة “وهذا أمر معروف في المناسبات الكبرى” إلى عبء حقيقي على صحافييها وعلى قرائها على حد سواء، وذلك تحت رغبة هذه الصحف في نيل الترتيب الأول في التغطية الصحافية.. القارئ لم يجد ولن يجد أبدا الفرصة الكافية لقراءة صحيفة أوروبية تصدر بـ148 صفحة بينها 44 صفحة للملحق الرياضي اليومي، فكيف سيتسنى لهذا القارئ أن يطالع كل الصحف التي تصدر في اليوم الواحد؟.
كان هذا سؤالا يعذب الصحافيين العاملين في الميدان قبل أن يعذب القارئ.. فأنتم كمجموعة عمل قوامها ستة أو سبعة أشخاص مطالبون يوميا بملء الصفحات، وعليكم أولا أن تحافظوا على رصانة المادة المكتوبة، وعلى رزانة النقد، وعلى جودة الحوارات، وعلى صواب التحليلات، وعلى دقة الأخبار.
بالنتيجة.. يتحول كثير من الملاحق، ولا أقول كلها، إلى عشرات من الصفحات واجبة الملء لا لسبب إلا الظهور للقارئ بهذا التضخم الذي كانت عليه الملاحق.. وهو ما أدى بالمحصلة إلى ارتكاب أخطاء دامية كنت شاهدا على بعضها.. فقد نشرت ملاحق عدة وبشكل متكرر تصريحات لم يدل بها اللاعبون أو المدربون أو الإداريون.. وقد دفع المنتخب العراقي بالذات ثمن هذه “الفبركة” التي لا تمت إلى المصداقية أو المهنية أو حتى الأعراف الصحافية بأي صلة.
أقرأ في الصحف المتورمة قصصا مختلقة ما أنزل الله بها من سلطان، وأشفق على عشرات ممن “تُقوّلهم” الصحافة ما لم يصدر منهم.. وحين أواجه البعض من الصحافيين الذين يخوضون في مهزلة الفبركة الهزيلة، يتفادون الإجابة عن أي سؤال عن مصادرهم، وكان بعضهم يقول: إذا كان لهذا اللاعب أو المدرب اعتراض على ما نشرناه، فليكتب ردا أو توضيحا، أو فليرفع دعوة قضائية إذا أراد.
منتهى الاستهانة بمهنة شريفة يفترض أنها تقترب من الناس وتقرّب الصورة إليهم، فإذا بها تتحول عند بعض الصحافيين وفي عدد من الملاحق المترهلة، إلى ساحة للقضاء.. ما يعني أن ينسى المدرب واللاعب والإداري مهمته الأولى وهي التركيز على الحدث ليتحول إلى الدخول يوميا في المحاكم.
إنها بكل صدق، صحافة املأ الفراغات التالية.. وأشد ما يؤلم في الأمر أن الذين يروجون لمثل هذا اللون من الصحافة يكبرون عندنا وعندهم.. للأسف الشديد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد علي رياح