تسكنني منذ أيام صورة الراعي وحوله قبيلة الأغنام. وأُحاول رسم المشهد من قريب تارة ومن بعيد تارة أُخرى.

أتذكّره بملابسه الرّثّة، وبسطاره الثقيل، كي يتناسب ووعورة الطرق التي يسلكها وكذلك مقاومة الشوك المدبب، وعادة ما يكون معه وبرفقته « ولد» صغير، في الغالب، يكون ابنه البكْر، يركبُ فوق حمار ملول يسير ـ الحمار ـ ، بتثاقل أمام قطيع الغنم.

أتذكّر الكلب الذي كان يركض في كل اتجاهات متناقضة، واتذكر لسانه ولهاثه الدائم، وحين يتوقف الراعي ، يقعي الكلب تحت شجرة وينام يعينين نصف مغمضتين، واذا ما اقتربت قدمٌ غريبة، أرسل بحّة تحمل تحذيرا اوليا، ثم يتابع نومه.

أتذكّر الغنمة الشاردة، دائما هناك غنمة شاردة، التي تضل الطريق بغباء تارة وبتخطيط تارة أُخرى. لكنها في النهاية، تنأى وتنتظر الراعي بعد أن يحصي غنماته، على طريقة « جحا». فيفتقدها ، تلك السارحة بعيدا عن القطيع.

أتذكر الأجراس المعلّقة في رقاب الماشية، وبخاصة ذات اللون الأسود او الغنمة الشاميّة.أتذكر زوّادة الر اعي وشبّابته، وأتخيله يسند ظهره إلى جذع شجرة ويثبت اصابعه على ثقوب» الشبّابة»، ويبوح بلحن لا تفهمه سوى الأغنام.

أتذكّر « التّيس» أو « الفحل» ـ حسب نوع الماشية ،برائحته الكريهة، والتي فهمتُ أسبابها بعد ان كبُرت، وليتني ما فهمت...

المهم ، أن هذا التّيس أو الفحل أو زوج الغنمة، دائما ما يكون على خلاف مع الراعي. تراه يقفز بشكل بهلواني، مُصدرا صوتا عجيبا، ولا أحد يدري لماذا يفعل ذلك.

وعندما سألت عن «سرّ هذه الحركة ، كانوا يقولون» يعني تيس شو بتتوقع منه»

أتذكّر الراعي وهو يستريح، فاردا، زوّادته بطعامه البسيط، واحيانا يوقد نارا يغلي الشاي بإبريق» مشحبر»، ويسحب نفَسا عميقا على سيجارة، في الغالب، كانت سيجارة « هيشي»/ لفّ، ويغرق في الصّمت.

أتذكّر حكايات الراعي التي قيلت والتي تم تأليفها عنه.

أتذكّر الذئب، وأتساءل: لماذا لا يزال الكلب مرافقا للغنم، رغم أن الذئاب « انقرضت»، وممن يخاف الراعي الآن، ومن هو عدوّ الغنم؟

مجرد «هلوسات» خطرت ببالي بعد ان تناولت» طنجرة»مقلوبة ونمت

بقلم: طلعت شناعة.​

المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   طلعت شناعة   جريدة الدستور