السؤال طرحته صحيفة "الغارديان" البريطانية في استمزاج للآراء على موقعها الإلكتروني. وتحت عنوان: "أما يزال ارتياد الجامعة يستحق العناء؟"، كتبت الصحيفة: "مع ارتفاع معدل البطالة، والازدحام على الأماكن في الجامعات، والرسوم التي يدفعها الطلبة على وشك الارتفاع ثلاثة أضعاف، سيسأل الكثيرون من الطلبة الذين تلقوا نتائج المستوى "أ" أنفسهم عما إذا كان التعليم العالي هو السبيل فعلاً للتقدم. حسب خبرتك الخاصة، أما يزال الذهاب إلى الجامعة يستحق العناء؟".
آخ..! سؤال على "الوجع"، خصوصاً لآلاف الآباء الأردنيين الذين يتفقدون الآن محافظهم الشحيحة ولا ينامون قلقاً وهم يناجزون استحقاق دفع رسوم أبنائهم الجامعية هذه الأيام. وإذا كان النّاس يتذمرون هناك، في بريطانيا، حيث مستوى المعيشة وشروط القبول في الجامعات أفضل حتماً، فلنا أن نتخيّل– ولماذا نتخيّل؟- معاناتنا في تعليم أبنائنا هُنا، الذين يُنافسون على نسبة قليلة جداً من حجم الاستيعاب غير المحجوز للحصص المعروفة في الجامعات الحكومية. وهو ما يترك الطلبة أصحاب معدلات الثمانينيات؛ بل وحتى أوائل التسعينيات، أمام خيار الدراسة على البرنامج المُوازي، أو في الجامعات الخاصة، إذا رغبوا إكمال الدراسة. ومَن يريد حرمان ابنه مِن الدراسة إذا رغِب؟!
سيثير البعضُ مسألة "ثقافة العيب"، وأنّ الشهادة الجامعية ليست مهمة، وما العيب في الحِرَف؟ لا عَيبَ في الحرف، لو أننا لم نكُن في الحقيقة "مجتمع شهادات". ولو درَس أحَدٌ على نفسه الفيزياء النووية، وابتكر نظريّة تفكك نسبيّة آينشتاين من دون شهادة كبيرة، فإنّ ذلك لا يؤهله ليُدرّس العلوم للصف الأول الابتدائي؛ ولن يوفر له وظيفة في الحقل. فما العَمل؟ ثُمَّ إنّ التعليم العالي ضروري أيضاً في الدّول التي ليست فيها "ثقافة العيب"، على الأقلّ لتحسين أداء العقل وتمرينه على النقد والتحليل والتركيب، وليَعمل الواحد بعدَ ذلك ما يَشاء. ولا يَجرؤ، حتى أكثرنا تنظيراً، على حرمان ابنه من التعليم الجامعي بعد أن درس 12 عاماً ونجح، حتّى لو تسوّل. ونحن نتحدّث عن عاطفة غلابة.
لغرض الإجابة عن سؤال "الغارديان"، غامرت باحتساب كُلفة الدراسة الجامعية على البرنامج الموازي أو الدراسة الخاصة، بأرقام المتوسط (أكثر أو أقل). وافترضت، لأن الحالة مألوفة لديّ، أن يكون لك ابنان يدرسان على هذه البرامج بالتزامن – وهو ما يحدُث كثيراً لعدم التزامنا بتباعُد الأحمال. وإليكُم الأرقام التي تداعَت:
تكلف الرسوم الجامعية للبرنامج الموازي في المتوسط 1500 دينار للطالب في الفصل. والسنة فصلان، وآخَرُ صيفي رسومه حوالي 700 دينار للطالب. وبهذا، تكون رسوم الابنين في أربع سنوات: 6,000 +1,400×4= 29,600 دينار.
وإذا قدّرنا مصروف الطالب الشهري: ثمن الكتُب الجامعية والقرطاسية، والملابس، ووجبة معتدلة في الجامعة ومواصلات، بحوالي 150 ديناراً شهرياً، فإن مصروف الطالِبين يكون في فترة الدراسة: 300×12×4= 14,400 دينار. وإذا جمعنا رسوم الدراسة مع المصروف في الأربع سنوات، يكون المجموع: 44,000 دينار.
وقد يصادف أن يكون لأب أربعة أبناء في الجامعات بالتزامُن لعدة سنوات، ولا أريد حساب مُصيبته. ولكن، مع افتراض أن معدّل دخل الأُسرة الأردنية يساوي 1000 دينار شهرياً (رقم متفائل جداً)، فإن دخل أسرة الطالبَين المذكورين في أربع سنوات يساوي 1000×12×4= 48,000 دينار. وبخصم كلفة دراسة الابنين، يتبقى لباقي أفراد الأسرة، بإهمال عددهم: 4,000 دينار في أربع سنوات. وبالقسمة على 48 شهراً، يكون الناتج: 83 ديناراً وبعض الفكّة شهرياً!
ربّما هناك خطأ في الحِسبة؟ لأنّ البرامج الموازية والخاصة ممتلئة، ولا يتسوّلُ الكثيرون في الشوارع؟ أم أن الدراسة، مثل الزواج أو تعمير منزل، مسألة ييسّرُها الله؟!
التفاصيل كثيرة، والمساحة لا تَكفي. لكن هذه الأرقام تعني، بتناسي كلَف تعليم الأبناء في مدارس خاصة متوسطة المستوى (المقلب الذي شربناه بسذاجة)، تعني أن الكائن الواقف أمامك يكلفك أرقاماً فلَكيّة حتى يَستوي واقفاً على أول طريق مقارعة البطالة. ونحنُ ندفع كلفة الأبوّة بطيبة خاطر طبعاً. ولكنْ، ألا ينبغي أن تستثمر الدُّول في أبنائها، ولا "تقطفهم" جاهزين؟ وكَم سنة تلزم ليستعيد المواطن "رأسمال" استثماره؟! ولماذا يجب أن يدفع المواطن كلفة استثمار الدولة؟ وهل يستحقّ الذهاب إلى الجامعة، فعلاً، هذا العناء..؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد علاء الدين أبو زينة