اعتصم أردنيّون مؤخراً، ومرّ احتجاجهم على الهامش دون أن يلحظه أحد تقريباً في زحمة الاعتصامات الكثيرة. ولم يحظ الاعتصام بكثير انتباه، لأنّ أحداً لم يضعه في السياق المهم للقضية الإنسانية الكبيرة التي تعنون الحراكات والثورات هنا وفي أي مكان: الكرامة والحريّة!
أعني به: الاعتصام الليلي الذي نفذه أهالي منطقة الجبيهة، شمالي عمان، بعد الساعة الواحدة ليلاً فجر 13/4 الحالي، "محتجين على تزايد ظاهرة الانحلال الخلقي في محيط سكناهم". ولا أريد أن أبدو ضيّق الاهتمامات، أو معادياً للحرية الشخصية، حين أخصص مقالي لشيء يصادف أنه يمسّني وعائلتي شخصياً، وأنا القاطن في الحيّ المذكور. لكنني أريد تناول المسألة في أبعادها وتداعياتها العامة بما يمكن من الموضوعية.
في الحقيقة، كنتُ ساهراً ليلة الاحتجاج المذكور، وشاهدت في شارعنا حافلات الشرطة تسير في أعقاب حشد صغير من الشباب، وتطلق نفيرها وتوجّة بمكبرات الصوت، لكني تصورت وأنا أنظر من نافذتي أنها "طوشة" جديدة. فقد تكررت في حيّنا المشاجرات الليلية، أحياناً بين الطلبة والسياح العرب المستأجرين في الحي وجيران محليين؛ وأحياناً بينهم وبين بائعة هوى تخرج و"تردح" في الشارع بلا خجل في منتصف الليل -لأنهم لم يدفعوا لها أو لأسباب ذات صلة. وفي النهار والليل، تذرع المنطقة سيارات -غالباً بنمرة سياحية أو غير أردنية- تمسح الرصيف وتتوقف بمحاذاة كل عابرة باعتبارها بائعة هوى محتملة. ولذلك، لا يحبذ السكان أن تسير بناتهم وأخواتهم ولو بضع خطوات في هذه الشوارع، ويفكر كثيرون بترك شققهم التي اشتروها هناك بالقروض، والبحث عن مكان أكثر احتراماً.
إنّ ما تتعرض له بناتنا وزوجاتنا وأخواتنا في الجبيهة، وغالباً في مناطق أخرى، لا علاقة له بحرية المواطن أو الوافد. إن له في الحقيقة اسما واحدا: "تحرش" وقح وانتهاك لحرية وكرامة قريباتنا. والتحرش بكل المعايير الدولية القانونية والأخلاقية، هو جريمة يعاقب عليها القانون. ولا يمكن لأحدنا تصور أن يضايق صفيق ابنته الذاهبة إلى دراستها أو عملها ويراودها عن نفسها في الشارع جهاراً نهاراً، بما يتركه ذلك في نفسها من ندوب ورعب من الشارع والمجتمع. .
لاقتراح شيء عملي، سأذكر مثالاً من دولة عربية زرتها مؤخراً ووعدت بالكتابة عنها. هناك، يكون أول ما يخبرونك به عن فضائل المكان أنّه يمكنك أن ترسل ابنتك لشراء شيء، أو أن تعود زوجتك من عملها في منتصف الليل دون أدنى احتمال لتعرضها للتحرش، لا من وافد ولا من مواطن. وليس ذلك البلد "مغلقاً" تماماً، ولكن، وبسبب التطبيق الواعي للقانون على الجميع، يشعر الإنسان هناك بأنّه حُرّ ومطمئن على نفسه وعائلته.
تلك الدولة وجدت معادلة تريح الجميع، حين ساوت بين الضيوف وأصحاب الدار في احترام القانون الذي يحترم خصوصية الجميع وحرياتهم في نهاية المطاف. إنك لا تستطيع هناك أن تخالف قواعد السير، كضيف، ولا كمواطن أصلي. ولا تستطيع أن تكون قليل الأدب مع النساء في الأسواق والشوارع، لأن ذلك كفيل بوضعك فوراً على أول طائرة مغادرة بغير رجعة، بقدر ما هو كفيل بوضع المواطن في السجن بلا تردد إذا أساء السلوك، لأّنه يسيء بذلك إلى سمعة بلده واقتصاده.
من المفارقات أن جريرة حي الجبيهة هو أنه يجاور الجامعة، ويؤجر مواطنونا شققهم فيه لوافدين بقصد الاسترزاق، دون تصوّر تحويل الحي إلى "بورديل". وذلك يخل بتوازننا الاجتماعي. وباختصار: ربما يكون الحل في حماية أعراض الناس بالقانون العادل بالتساوي، والاعتراف بالفارق الواضح بين الحرية والصفاقة!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   علاء الدين أبو زينة