رغم كل ما يقالُ عن كوريا الشمالية "المارقة، الاستبدادية، الشمولية"، لا بد أن تجد الشعوب المُستلبة بعض السلوى في اجتراء أحد على تحدّي سطوة الكبار واستفرادهم بأدوات الإخضاع. وكان من الأسباب الوجيهة التي ذكرها محلل لعدم إقدام الولايات المتحدة على ضرب كوريا الشمالية، هو امتلاك الأخيرة سلاحاً نووياً مسبقاً، بخلاف إيران التي ربما يهاجمونها فقط لأنها تسعى –أو لا تسعى- إلى امتلاكه.
كبداية، ينطوي العثور على السلوى في امتلاك أحد، أيّ أحد، سلاحاً فتاكاً قتّالاً يرعب به الآخرين، على معضلة أخلاقية. ولكن، ماذا يملك فاقدو الحيلة غير الشماتة والحسد؟ ربّما نكون معنيين بهذا المقدار فقط فيما يخص كوريا البعيدة. لكنّ هناك فكرة مستفِزّة تُكتَب عنا في الشأن النووي، إذ يجمِع المعقبون الغربيون تقريباً على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لأن ذلك سيحفز الجوار العربيّ، مصر والسعودية، وربما الأردن، على محاولة تطوير برامجها النووية العسكرية الخاصة. والداعي لذلك، حسب المعقبين، هو شعور العرب "السنة" بالتهديد من القنبلة النووية "الشيعية". لكنّ الحقيقة، قبل العمل الحثيث على تحريض وحش الطائفية، هي أن إيران كانت موجودة، بمختلف تجلياتها الأيديولوجية والسياسية، في منطقتها التاريخية بجوار العرب منذ أول التاريخ المعروف. واستطاعت الأطراف، التي اندغمت في تكوين الحضارة الإسلامية، تدبر أمر التعايش والبقاء كل الوقت. ولمختلف الأسباب، لا مصلحة لأي طرف في ابتكار تناقض رئيسي من العدم، لأن الجميع سيخسرون فقط. لكنّ من الملفت كم يسهل تصنيع التناقضات الرئيسية في منطقتنا لأغراض لا تخدمنا: بالمال ومحطة فضائية مصروف عليها جيداً! 
ولكن: لماذا لم تسعَ الدول العربية إلى تطوير برامج نوويّة، سريّة أو علنية، عندما استقرّ جوارها كيانٌ طارئ على حساب منطقتها التاريخية، يناصبها العداء المعلن ويهددها بترسانته النووية: "إسرائيل؟!" يبدو أن معظم المعلقين يفهمون، كأمر مسلّم به، استثناء الكيان من الحظر النوويّ باعتباره مهدّداً وصاحب حق. وبمراقبة سلوك المنطقة، لم يستشعروا ضيقاً عربياً واضحاً بهذا الاستثناء، وإصراراً على استنطاق وجوده، ناهيك عن مجاراته وردعه. لكنّ ما لا يفهمه المعلقون –أو يتقصّدون تعتيمه- هو أن العرب لن يسعوا إلى امتلاك أسلحة نوويّة حتى لو امتلكت إيران قنبلة، لأنّهم أصبحوا فاقدين –بنيوياً- حريّة القرار وتحديد مكانهم في العالم بإرادتهم. بالمقارنة مع إيران أو كوريا الشمالية أو الكيان الصهيوني، فإنّ العرب مجتمعين –بل وبعضهم منفردين- مهيؤون نظرياً أكثر من كل هؤلاء لتطوير برامج نوويّة وتسيُّد الإقليم عسكرياً، وأبعد. لكنّهم لم يتكلفوا مجرد محاولة الهيمنة الاقتصاديّة والمشاركة في لعبة الأمم باستخدام أوراق المال والتجارة الوفيرة لديهم، فكيف بالعضلات؟!
يبدو أن العربَ فقدوا الإحساس بالحقّ والجدوى في السرّية أو الخصوصية. وفي عرض مذهل للانكشاف والاجتهاد في تبييض الصفحة، نفتح مرافقنا العسكرية، وحتى تكويناتنا الفكرية والاجتماعية، لمطالعات ومداخلات الآخرين. وإذا أراد أحدٌ إقامة مركز أبحاث نوويّ صغير، فإنه يتسوّل موافقة الجميع (خاصة "إسرائيل") ويعطيهم الحق بضرب الباب بأقدامهم والقدوم للتفقُّد ليلاً أو نهاراً من فرط التذلل. ويتساءل المرء: بماذا يفرق عنّا الهنود والباكستانيون والكوريون والإيرانيّون حتى يداروا على شمعتهم فتتقّد، بينما نحنُ دائماً في مهبّ الريح؟! أيّ سرّ عسكري وغيره نخفيه عمن نعرف أنهم يريدوننا خارج المنافسة، لكننا نبتاع منهم كل شيء؟! ما هي مصيبتنا التي تضعنا هكذا في ذَيل الأمم؟! شيء محيّر!
ربّما فينا إحساس باطنيٌّ بالذّنب عن جريرة غامضة، نجسّدها بتأكيد وجاهة التعرّي والبكاء المتوسِّلُ النادم توقعاً لعذاب أزلي حتمي مرجح! ربّما لذلك نستورد مقولة "الإرهاب" ونرددها ونشارك في نسبتها إلينا! ربّما لذلك نقول ونمارس فكرة "الإفرنجي برنجي!" ربّما لذلك يضربون محاولاتنا النوويّة وغير النووية بالطائرات جهاراً، ونردُّ بالصمت! ربّما لذلك نستمرئ التماهي في إحالة العجز واستلاب الإرادة إلى "الأنظمة" ونحن–العاديين على حدّ سواء، باستعمال النتيجة دون التفاصيل! ربّما لذلك برعنا في الشعر –أبلغ وسيلة لفضح الداخل الشخصي من أجل تسوُّل تعاطف الآخرين، وأخفقنا في الفيزياء! ربّما لذلك تعلق مشاريعنا في نقطة المنتصف!
ربما أوغلتُ في التأمل! لكنني ابن ثقافة، والحديث ذو شجون!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   علاء الدين أبو زينة