لا بدّ أن تتحرك عاطفة الحبّ في المنتمين إلى الحضارة الإسلامية عندما يشاهدون اللاعب الفرنسي المسلم إيريك "بلال" أبيدال يقرأ الفاتحة قبل دخوله الملعب، أو لدى مشاهدة اللاعب المالي المسلم أيضاً، فريدريك كانوتيه، وهو يحتفل بتسجيل هدفه برفع قميصه الخارجي عن اسم فلسطين مكتوباً على صدره بالعربية والإنجليزية. وعادة ما يعرض هؤلاء ونظراؤهم اعتزازهم بهويتهم الإسلامية تحت أنظار عشرات الآلاف من المشاهدين الذين يصفقون لهم في الملاعب، وربما عشرات الملايين الذين يشاهدونهم بإعجاب على شاشات التلفزة في كل العالم. ولا تهمّ درجة ورع المسلم المتابع لمثل هذه المشاهد حتى يشعر بالامتنان الكبير لهؤلاء السفراء الذين يقولون خيراً عن الإسلام والمسلمين، ويبيّضون صفحة المنتمين إلى هذه الثقافة، وخاصة العرب.
في المقابل، تمتلئ النفس القويمة بكل اشمئزاز ونفور العالم لدى مشاهدة الأشخاص المتكاثرين، للأسف، الذين يعصبون رؤوسهم بشرائط خضراء وسوداء توحِّدُ الله، ثم يذبحون صحفياً مخطوفاً أمام الكاميرات بسكين ويضعون رأسه على صدره، أو يتلون بياناً قبل خوض المعركة الأخيرة في سوق عربية، بتفجير أنفسهم في مواطنيهم وبني دينهم المتسوقين الأبرياء. وقد شاهدنا في الأيام الأخيرة شريط "يوتيوب" من سورية، فيه أحد هؤلاء يسأل ثلاثة سوريين أسئلة دينية، ولا تعجبه الإجابات، فيمددهم على الأرض ويفرغ فيهم مخزن رشاشه. ومن اللهجة، بدا السيد "المجاهد" عراقياً، جاء لتأديب السوريّين وليس لمساعدتهم في قضية الخبز والعدالة والحرية. وبدا من الشريط أن الثلاثة المغدورين ليسوا جنوداً في جيش النظام، ولا مقاتلين في فصيل شبيحته، وإنّما صادف أنهم ليسوا نسخة عن الشيخ في الملابس الباكستانية، ولا ينتمون إلى طائفته. ولا يتّسع أي مقام في هذه الأيام لتعداد الحوادث الوحشيّة اليوميّة التي يحاول فيها متطرفون إبادة "الكفّار" في المنطقة العربية. وحسب التوصيفات والتصنيفات، فإن كل المسلمين العرب تقريباً سيستحقون القتل وقطع الرؤوس، ناهيك عن العرب أصحاب العقائد الأخرى، بحيث يتبقى في النهاية فقط أصحاب الملابس الباكستانية والكلاشينات ليحرروا وحدهم بقيّة العالم.
سوف لن تعجب البعض فكرة الاستشهاد بلاعبي كرة القدم المسلمين، لأن هؤلاء البعض يعتبرون الرياضة ملهاة ومفسدة، ناهيك عن قدرتها على تخليص الدنيا من الكفّار وإقامة الخلافة العالمية. لكنّ الواقعيّة تفترض أنّ وظيفة المسلمين اليوم لا تمتّ بأيّ صلة إلى غزو العالم وأسلمته، بقدر ما تتصل بمجرد محاولة العرب البقاء والتفاعل في عالم هم فيه بين الأضعف. وكان كل ما فعله التطرّف سيئ المشورة هو تقديم الذرائع الجاهزة لسَخط هذه المنطقة من العالَم بالقصف والاحتلالات، بالإضافة إلى تعقيد حركة أهلها في بقيّة العالم وإقامتهم وعملهم فيه. وفي هذه الحالة، ألف شكر للاعبين المسلمين الذين يلطّفون الصورة المرعبة التي يرسمها الانتحاريون لنا في عيون الآخرين.
لا تتعلّق المسألة حتماً بالرياضة، لأنّ الرياضيّين العرب والمسلمين، في كرة القدم وغيرها، ليسوا كثيرين إلى حدّ تغيير النظرة العالمية إلينا -ليسوا كثيرين قطعاً لأنّهم ينجحون في اجتراح الإبداع الرياضي في بيئات تحترف التخلف ولا تعزّز أي إبداع. وإنمّا تتعلق المسألة بالسُّبل التي تمكن بها المنافسة في عالَم لا تحدد المكانات فيه التفسيرات الغيبيّة، وإنمّا المنجزات الماديّة والتقدّم العلمي وموهبة التفاعل. وفي هذا الإطار الواقعيّ، لا يهُمّ أبداً إذا كانت الصين بوذية أو كنفوشيوسية، والهند سيخية أو هندوسية، بقدر ما تهمّ قدرتهما على غزو الأسواق بالمنتجات الصناعية والتقنيات المتقدمة، ودعم ذلك بتطوير الابتكارات العسكرية وتحديث الجيوش. وبنفس الطريقة، لم يكن أحد ليزدري منطقة العرب المسلمين لو كانت لها مواصفات الأمّة التي تفرض الاحترام على بقية العالم -بهذه المعاني المذكورة بالتحديد. ولعلّ من اللافت دائماً عدم ذكر العقيدة الدينية في المقدمة والخاتمة إلا عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، وهو ما يعزّزه بدأب مفجرو الأسواق -وكثير من أصحاب الرأي المؤثرين- بغير حصافة لنكون كالثور الأبرق بهذه الصفة.
تريد أن تنصر عقيدتك وهويتك؟ اجعلها إذن محطّ إعجاب ومنبع إبداع -كما يفعل الرياضيون، ولا تجعلها كهفاً معتماً يعجّ بالأفاعي والوحشية، على طريقة أصحاب العصمة من ذوي العصابات والأحزمة الناسفة والكراهية القاتلة لكل من يختلف -أولهم العرب والمسلمون الطبيعيون في المقدمة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد علاء الدين أبو زينة