مصادفة، قرأت أمس موضوعاً لصحفية نيوزيلندية تكتب من غزة. كان عنوان الموضوع: "فيما غزة تغرق في مياه الصرف الصحي.. مقررة الأمم المتحدة تعلن عن "يوم المرحاض العالمي" الأول في 15/11/2013". وللاستزادة، تعقبت هذا الخبر في مصادر الأخبار، فوجدت المعقبين -حتى الغربيين منهم- يقاربون الموضوع مع شعور بالحرج، على أساس اعتبارين: من ناحية، يعتبر موضوع "المرحاض" واحداً من التابوهات، لأنه يستدعي انطباعات غير جميلة؛ ومن ناحية أخرى، لا يعفي حرج الخوض في الموضوع من أهميته البالغة. وعلى سبيل المثال، جاء في موقع "الأصوات العالمية":
"الاحتفاء بالحوض الخاص بك قد يبدو سخيفاً، لكن عدم وجود هذا الحوض لا يؤدي فقط إلى الاحراج، وانتقاص الكرامة وقضايا الأمن والسلامة، وإنما يؤدي أيضاً إلى أمراض يمكن الوقاية منها، بل وحتى إلى الموت. عندما لا يمتلك البشر مراحيض، فإنهم يُجبرون على قضاء حاجاتهم في الشوارع والحقول أو حتى الأزقة. والنتيجة؟ تلوث مصادر المياه الصالحة للشرب والمواد الغذائية، الأمر الذي يؤدي إلى عدد كبير من المخاطر الصحية. إن عدم وجود شبكات الصرف الصحي يعتبر من أهمّ الأسباب على مستوى العالم لانتقال العدوى وقتل نحو 1.8 مليون إنسان في السنة، أغلبهم من الأطفال".
بالطبع، يروي التقرير المذكور حكاية معتادة عن مرور الفرد في سوق، والمعضلة التي يواجهها عندما تلح عليه الحاجة الإنسانية، ولا يجد ملجأ بين صف المتاجر. لكنّ الكاتبة النيوزيلندية تلفت بالتحديد إلى مشكلة سكان قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. وتكتب جولي ويب-بولمان: "المفارقة (في موضوع الإعلان عن يوم "التواليت" العالمي) لن تفوت الفلسطينيين في غزة -لا بد أنهم يسألون أنفسهم: "هل (مقررة الأمم المتحدة) جادة؟ أم أنها مجرد سابقة بالغة السخرية لإعلان آخر تمييز يسم غزة -من كونها أكبر سجن مفتوح في العالم، إلى أن تكون أكبر تواليت مفتوح في العالم؟".
كما هو معروف عن تلك البقعة المهملة من العالم، فإن المقاطعة العالمية، وحصار كيان الاحتلال، ثم مصر أخيراً، تحرم الفلسطينيين هناك من الوصول إلى كل الحقوق الإنسانية، ناهيك عن هذا الحق البسيط. وقد أعربت مقررة الأمم المتحدة الخاصة حول حق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، كاتارينا دي البوكيرك، عن أملها في أن "الإعلان سيحفز الجهود الوطنية والدولية للوصول إلى ملايين الناس الذين لا يستفيدون من هذا الحق الإنساني". وجاء إعلانها هذا بعد يوم واحد من غمر مياه الصرف الصحي حي الصبرة في منطقة الزيتون في مدينة غزة.
كما يتبين، فإن الحظر الذي تفرضه دولة الكيان ومصر، بمباركة دول كبرى، يمنع وصول إمدادات الوقود إلى محطة توليد الكهرباء التي تشغل مضخات المياه والصرف الصحي في غزة. وبذلك، تمتلئ شورع القطاع بدفق من الفضلات، بعد أن تبقى الأسر مستيقظة حتى الساعة الثانية فجراً للاستفادة من ساعتين فقط من وصول المياه إلى الصنابير -إذا كانوا محظوظين- كما تقول جولي بولمان. ولنا أن نتصور الشعور الخانق الذي يصاحب فروغ خزانات الماء في البيت، وكيف يتكاثف الإحساس بهروب النظافة والصحة من المكان.
ليست التقارير عن شح المياه النظيفة وافتقار غزة إلى نظم الصرف الصحي جديدة. والصورة التي ترسمها التقارير عن انسياب مياه الصرف الصحي في شوارع وأزقة القطاع، وذهابها إلى البحر، لا تقل بشاعة عن فكرة الحصار المستمر والغارات المتواترة التي تستهدف أرواح الناس هناك. ولعل اعتراف الأمم المتحدة بالوصول إلى "التواليت" كحقّ إنساني أساسي، يكون مقدمة لتخليص الفلسطينيين المحاصرين في القطاع المتعب من التمييزات المفرطة في البشاعة: أكبر سجن مفتوح في العالم، وأكبر مرحاض مفتوح في العالم أيضاً. وكما تقول الكاتبة النيوزلندية، فإن إعلان هذا اليوم العالمي، ربما يذكر السلطة الفلسطينية أيضاً بإزالة الغشاوة عن عيونها و"مراقبة" ظروف مواطنيها من الرجال والنساء في غزة، وربما "الكفّ عن التواطؤ مع إسرائيل في ابتزاز أثمان باهظة للوقود من سلطات غزة المحاصرة، وهو الوقود الذي يموله المجتمع الأوروبي، لكن كلا من الكيان والسلطة يستغلانه برفع الأسعار وفرض الضرائب. بلا خجل: من العيب التعامي عن حرمان الغزيين، حتى من حق استخدام "التواليت" البسيط.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   علاء الدين أبو زينة