كنتُ أقرأ في المجلّد الرابع من كتاب «العقد الفريد» لمؤلفه إبن عبد ربه الاندلسي، وورد ذكر الشاعر الهجّاء» أبو الشمقمق»، الذي لم يسلم أحد من لسانه ولا من شعره. بل انه هجا من هم أقذع منه في الهجاء مثل الشاعر بشّار بن برد وأبي العتاهية وأبي نواس وخالد البرمكي. وعندما استغربتُ اسمه»الشمقمق»،علمتُ أن وصف بذلك لأنه كان «عظيم الأنف قبيح المنظر» والعياذ بالله.
ومن شعره الظريف وصفه لبيته، حيث يقول» فمنزلي الفضاءُ وسقفُ بيتي/ سماء الله أو قِطَع السحاب».
وتداعت في خاطري صور لأشخاص في حياتنا ،يتلذّذون في هجاء الآخرين، وخاصة من هم دونهم، أي من يقدرون عليهم. او حين لا يمنحهم الشخص مَطْلبهم. وهو ما يذكرنا بشاعر آخر مشهور بالهجاء وهو» الحُطيئة» الذي لم يسلم نفسه من الهجاء ولا حتى أُمّه وأبيه.
وبسبب الظروف الاقتصادية «المزمّرة»،قلت» أتسلّى» بسيرة «سليطي اللسان» مثل «أبو الشمقمق» و « الحُطيئة» الذي لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس.
وتخيّلتُ بعض الناس في الاردن يلجأون الى»الهجاء» طمعا في المال.طبعا مع وجود عمليات» الابتزاز» او الدفع «خاوة» والا «حياتك في خطر».
وهو ما نلاحظه وتحديدا في الاسواق العامة وحتى في المولات وعند الاشارات الضوئية، حيث التنابز بالالفاظ الحادّة وامام الملأ، حتى باتت تلك لغة الشارع. ويسألونك عن تعلم الاطفال للكلام البذيء. فهم يسمعونه في الشوارع، ومن مسلسلات التلفزيون ومن البرامج الحوارية ومن خلافات الأزواج والأشقاء.
الغريب ان بعضهم» الأطفال» يشتم وهو لا يدرك معنى الكلمات التي يرددها. وقد تابعتُ ولدا في الخامس ابتدائي، «يعاكس» فتاة في عمر والدته»لو أنها كانت متزوجة». وحين زجرته،عرفتُ أنه يعتقد أن ما يفعله»جزء من لعبة ممتعة».
أعتقد ان في حياتنا أكثر من « حُطيئة» و» أبو الشمقمق».
عندنا «سَفَلة»
| .
بقلم: طلعت شناعة.
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة طلعت شناعة جريدة الدستور
|