أغلب أبناء جيلي،ساهمت الاذاعات برومانسيته، من خلال البرامج التي كانت تبثها وبخاصة البرامج المسائية والليلية.

وأذكر أنني كنتُ انتظر بشغف برنامج المذيعة سلوى حداد وكان بعنوان»همس الليل». وكان صوت المذيع عصمت الدجاني «يأسرني» وهو يقرأ الشعر في برنامج

«شُرفة القمر»، وكانت مع القصائد ثمة موسيقى هادئة وكان صوت فيروز يمنح القصائد روعة استثنائية.

كنا نحب بتأثير تلك البرامج»الرومانسية»، وكنا»نحفظ مقاطع من القصائد التي يقرأها المذيعون بأداء معبّر يكاد يسري بنا الى سماء الحب الصافية، بعيدا عن متاعب النهار والحياة والماديات، رغم الفقر الذي كان يغلّف أيامنا.

لم يكن في بيتنا، في ذلك الوقت،»كهرباء»، فكنتُ «أتسلل» مع الليل الى باب الدار حيث «عمود الكهرباء» في الشارع، وأجلس على مقعد من « القشّ» بلا ظَهِر (طول عمري بلا ظَهِر) يا ويل قلبي

وكنتُ أنتظر برنامج»شرفة القمر» لأسمع ما اختاره عصمت الدجاني من قصائد جميلة واوزع اسبوعي بينه وبين سلوى حداد، فأغرق(أعني ما أقول اغرق) بحالة عشق أنسى خلالها مَنْ حولي. حيث تموت الأشياء وأظل مثل صوفيّ متحدا متوحدا مع الموسيقى والشّعْر.

ما أجمل تلك الأيام التي رسمت خطانا في سنوات المراهقة والمرحلة الثانوية. فقد علمتنا ان الحياة بدون حب جافّة ، وأن القصائد تمنح أرواحنا أكسجين الفرح. وحتى الحزن او الشجن الذي يغوص في أعماقنا حين يكون الحديث عن الهجر والفراق،كانت تغسله الموسيقى وصوت فيروز وهَدْأة الليل. سواء كان ذلك صيفا أو شتاء.

صحيح أنني كنتُ أفعل ذلك ـ اي الخروج الى الشارع طلبا لإضاءة عمود الكهرباء ـ ،مُكْرها ،لعدم وجود «كهرباء» في بيتنا،لأن إضاءة « قنديل الكاز» أبو فتلة لم يكن كافيا لإضاءة روحي الحالمة، لكن الآن وقد تغيّرت الدنيا وأصبحت الدنيا غير الدنيا ،لم نعد نجيد»التأمّل»، ونادرا ما ينظر الواحد منا الى السماء كي يرى النجوم»ربما لأنه يراها في عزّ الظُّهْر».

زمان لم يكن ثمة حبيبات ـ حقيقيات ـ. كنا نتخيّل ونحلم ونرسم صورة للحبيبة» الإفتراضية «.

كانت نساء من حليب الأُمنيات.

والآن ، ثمة نساء من»قلق» ومن «تعب» ومن «أرق».

رحماك من هذا العذاب

بقلم: طلعت شناعة.​


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   طلعت شناعة   جريدة الدستور