لا أجد إلى الآن تطبيقا قاطعا لنظريّة "الفجوة الرقمّية" عندنا في الأردن، على الرغم من شيوع استخدام النظرّية للتأكيد على حتميّة الصراع الطبقي في المجتمعات، وحتميّة انتقالها إلى الشبكات. وينتشر المفهوم أكثر بفرضيّة أنّ العالم "الديجيتالي" لا بد أن يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأنّ هذه الفجوة ستتسع بمرور الوقت، ممّا يؤدي إلى خلق مجتمع مكّون من طبقتين بدون طبقة وسطى.
واستخدم المصطلح لأول مرّة فى الولايات المتحدة الأميركية في حقبة التسعينيات، في تقرير شهير بعنوان "السقوط من فتحات الشبكة"، لكن بالتركيزعلى عنصرالتجارة.
وفي الدين والفكر الإسلاميين، يوجد بشكل عام تقرير قدري لوجود بعض الفروقات الإنسانيّة، بين من يعلمون ومن لا يعلمون. ولكنّ هذه فجوة ممكنة الردم إن اقترنت بجهد وسعي الإنسان إلى نهل العلم، وهذا لأنّ الأمر بالبحث والقراءة من سورة "إقرأ" جاء كأهمّ الوصايا وأوّلها.
ويُظهر الاستخدام غيرالمتحفظ للنظريّة الوضع بأنه مُعقّد ومُركّب، وكأن لا سلطة لنا عليه. فمن منظور ارتقائي شامل، تتموضع الفجوة هنا على سطح طبقات متراكمة أخرى دفينة من فجوات أخرى من نوع آخر، وتصبّ فيها؛ بمعنى آخر هي فجوة أخرى تُضاف إلى فجوات الفقر، أو الدخل، أو الرعاية الصحية، أو التعليم، أو المأوى، أو العمل.. إلخ. وهذا إسقاط غير دقيق بالنظر إلى خصوصية التكنولوجيا كأداة محفّزة للأعمال وللمجتمعات، وليس كهدف مستقّل بحد ذاتها.
ففي حقيقة الأمر، يعد أفضل ما حدث في الأردن هو التحرير الكامل لقطاع الاتصالات وللتجارة، ما أدّى إلى زيادة "تملّك" الأردنيين لأدوات التكنولوجيا، وللهواتف النقالة والهواتف الذكية، ولكل خدمات الولوج الى الإنترنت بتقنيات مختلفة، مثل GSM-3G/7" "4G" "Wireless" "Wimax" "ADSL" و"،"Dungle. وهذا هو الذي سيجعل معظم الطبقات المنتجة في المجتمع قادرة على الاستفادة من حزمة معقولة، وبأسعار مقبولة، من الخدمات الأساسية. واليوم، توجد شريحة عريضة من المجتمع لديها فرص مستدامة وأوسع بكثير مما سبقها، لتحصيل معرفة عصريّة، ستمكّنها من المنافسة في الدورات الاقتصادية للعالم.
إن الانتشار الواسع لاقتناء الأجهزة الرقميّة والحواسيب والاتصال بالشبكة العالمية على الأنترنت في الأردن، هو (بحدّ ذاته) ردم للفجوة. والإنترنت هو (بحدّ ذاته) أدة ديمقراطية وبامتياز. والفجوة ستكمن فقط في القدرة أو عدمها على توظيف الأداة لتقوم بتدوير المعرفة باتجاه التواصل والتجارة ونحو التصنيع.
ومن المُفيد اليوم حسم حال مشروع شبكة الألياف الضوئية الحكومية الذي تأخّرت في تنفيذه أكثر من حكومة بسبب شحّ الموارد وترتيب الأولويات. وإلى حين التوافق على خطة تنفيذ تتشارك فيها الحكومة مع القطاع الخاص لتوسيع انتشار خدمات الشبكة التحتيّة الحكومية (SGN)، يبقى الأردنيون متساوين أمام الإنترنت! والأردن مستفيد اليوم من سيناريو التكنولوجيا لتوافر أدوات الإنتاج الإلكترونية، وأدوات التواصل بيد الأفراد، وهو بذلك ليس بالبلد الفقير!
بقلم ضحى عبد الخالق
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد ضحى عبد الخالق العلوم الاجتماعية