فكرة موجزة ومباشرة طرحها جلالة الملك في خطابه قبل ايام جوهرها اعادة النظر في التقسيمات الادارية القائمة لمناطق المملكة, وهدف هذه الفكرة في اتجاهين الاول زيادة نسبة المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار التنموي وفي تطوير مستويات الخدمات لمناطق الاردن, وهذا الهدف تتم ترجمته في مجالس اقليمية يتم انتخابها انتخاباً حراً مباشراً.
اما الاتجاه الثاني فهو اعطاء سكان كل اقليم الحق في تحديد اولويات مناطقهم ومحافظاتهم, ووضع الخطط والبرامج الخاصة بتطوير هذه الاقاليم بدلاً من ان تكون عملاً مركزياً تقوم به الحكومة او يقترحه مجلس النواب.
وواضح من الخطاب الملكي ان هذه الفكرة تندرج في اطار الرؤية الملكية للتنمية السياسية, ولتحقيق هدف مباشر وهو زيادة حجم المشاركة الشعبية في صناعة القرار, وفي المحصلة فان ما تحدث عنه الملك فكرة مجملة غير تفصيلية ولهذا اعلن عن قرب تشكيل لجنة ملكية لدراسة هذا التوجه ووضع الآلية المناسبة لتنفيذه وتحويله الى واقع ملموس.
ونفهم من حديث الملك ان طرح هذا التوجه دون تفاصيل يعني انه لا يريد استدراج المدائح للخطاب والافكار الواردة فيه بل تحويل الفكرة الى حالة نقاش لاستدراج آراء ومقترحات المواطن والنخب والهيئات المعنية, كما انه يعطي للجنة الملكية القادمة الفرصة في ان تنتج فعلاً يحقق الاهداف المطلوبة, ولهذا فاننا نرى في اساس الفكرة ان تقوم على الانتخابات الحرة المباشرة وتحقيق تمثيل حقيقي للاردنيين, ولهذا لا مجال لتكرار تجارب سابقة كما حدث مع البلديات التي تحولت الى هيئات شبه حكومية من حيث التعيين وفقدت صفتها كمجالس تمثل الناس, كما ان من حقنا ان نضع تخوفات من ان تقوم الحكومة او اللجنة المعنية باقتراح تشريعات تُفقد هذه المجالس صفتها التمثيلية مثلما حدث عندما تم اللجوء الى "الصوت الواحد" ليحول قانون الانتخاب الى قضية خلافية.
وبين يدي هذه الفكرة الملكية فان مجلس النواب مطالب باعادة النظر بقانون البلديات الموجود بين يديه وازالة كل ما يتعارض مع هذا التوجه, فلا يُعقل ان تبقى البلديات تحت رحمة التعيين بينما تكون مجالس الاقاليم منتخبة, فالتنمية السياسية وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية عملية متكاملة, وقدرة المواطن على اختيار ممثليه لمجالس اشبه بالبرلمانات الاقليمية هي ذاتها القدرة على انتخاب اعضاء ورئيس المجلس البلدي.
وما تقدمه الفكرة الملكية ان مجالس الاقاليم برلمانات محلية, وهيئات لوضع الخطط والبرامج ونتمنى ان تتخلص من عيوب وثغرات اداء البرلمان (الكبير), كما يجب ان تضمن التشريعات التي ستبلور الفكرة صلاحيات حقيقية للمجالس المنتخبة في الاقاليم, لا ان تكون مجالس استشارية, ولا ان تكون طروحاتها غير ملزمة لهيئات صنع القرار في العاصمة, فاذا غابت الصلاحيات, واصبحت اقتراحات المجالس قابلة للتجاهل في العاصمة فاننا سنفرغ الفكرة من مضمونها, ولن يبقى منها الا الخلافات والمناسف وبيوت الشعر للمرشحين.
طرح الملك لهذا التوجه اجمالا دون تفاصيل يُحمل اللجنة القادمة والحكومة مسؤولية الحفاظ على جوهرها, والا فاننا سنكون على موعد مع هدر لمحاولة جادة لزيادة حضور الاردنيين في صناعة القرار التنموي والتغلب على مشكلة غياب العدالة في توزيع الخدمات والامتيازات بين مناطق المملكة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة