لم أرَ والدي يوما في حياتي يحمل سيجارة، وكان بيتنا دائما يخلو من «المكتّات» او «المنافض» كتلك التي توضع في الاماكن العامة وتجد فوقها عبارة «ممنوع التدخين».. فتختار لماذا يضعون «المنفضة» مادام المكام ممنوع التدخين فيه.

وكان الضيف المدخن حين يأتينا، نجد حَرَجا، لعدم وجود «مكتّة» عندنا. وكنا نستعين بـ «صحن» فنجان القهوة لكي «يكتّ» رماد سجائره فيه.

هكذا وجدتُ نفسي كارها للتدخين، وحتى في سنوات الدراسة الجامعية، وكنتُ في مصر، سكنتُ مع زملاء مدخنين بل «شرهين في التدخين».

وكان يزورني ضيوف ويستعرضون علب سجائرهم، ويعرضون عليّ شيئا منها، ومن باب المجاملة، كنتُ أسحب واحدة، واظل اعبث بها كما كان يفعل الموسيقار محمد عبد الوهاب حين كان يأتيه فنان مدخّن فكان يقول: هات سيجارة كي نكمل الجلسة، وكان لا يشعلها بل يعبث بها كما كنتُ أفعل.

حتى تجاوز عدد السجائر لدي قرابة الأربعين سيجارة من مختلف الانواع، وذات ليلة، هجم عليها احد رفاقي في «السّكَن»، بعد ان وجد نفسه بلا سجائر والدنيا ليل،فالتهمها كلها في ليلة واحدة.

كان المشهد بالنسبة لي غاية في السوء والبشاعة، تماما كما اشعر كلما رأيتُ المدخنين يلقون بقايا سجائرهم في الممرات وفي الشوارع، ويزيد الامر سوءا حين تجتمع السجائر مع القهوة، فيكون الواحد من هؤلاء يسعل وهو يشرب القهوة وكأن معركة يخوضها بينه وبين نفسه.

ظلت السيجارة «عدوي» اللدود وكنتُ أهرب من اصدقائي المدخنين، واتركهم يسعلون وينثرون رماد سجائرهم على الارض او على السجّادة. غير آبه لتعليقاتهم وسؤالهم التقليدي «كيف تكون كاتبا ولا تدخّن؟».

كنتُ اخرج الى البلكونة كي اتنفس هواء نظيفا، وكنتُ أُشفق عليهم من هذا «الإدمان» الذي كان يضعهم في «حَرَج» شديد وبخاصة حين كنا نسافر بالطائرة فيسألني موظف المطار إن كنتُ مدخنا ام لا.وكانوا يضعون المدخنين في مكان في مؤخرة الطائرة بعيدا عن باقي الركاب.

اما أصعب موقف شاهدته فكان في مطار «دبيّ»حين رأيتُ المدخنين محشورين» في ركن من قاعة الانتظار، وكأنهم «كائنات منبوذة».

بقيت السيجارة والتدخين من أشد «خصومي»، وبخاصة بعد معرفتي بالامور الصحية واضرار التدخين الذي يكشف الكثير من الامراض ولعله العامل المشترك لمصائب الانسان الصحية.

فالمريض المدخن يحتاج الى «جرعة مسكّن» أكبر من الشخص العادي او غير المدخن.

أحمد الله على هذه النّعمة، وعادة ما أتفاخر بأنني أمتاز بخصلة واحدة «حسنة»،على الأقل، وهي أنني اعيش حياتي بدون سيجارة.

بقلم: طلعت شناعة.​


المراجع

Text

التصانيف

صحافة   طلعت شناعة   جريدة الدستور