عراق ما بعد نظام صدام حسين, او العراق الجديد اوصاف اطلقها المتفائلون او المتحمسون والمروجون للاحتلال الاميركي باعتباره البوابة التي على الشعب العراقي ان يدخلها ويقبلها حتى يعبر الى عراق الديمقراطية والرفاه والرخاء.
لكن المتابع بإنصاف وموضوعية يدرك ان من اهم سمات العراق الجديد كون اللغة السياسية والمصطلح المحدد والمحرك لاداء كل القوى التي تتربص للمكاسب في ظل الاحتلال, هي لغة الطائفية والافتراق وبحث كل طائفة او اقلية عن مكاسب في اجهزة الحكومة وصناديق الاقتراع, ومنذ ان انتهت الانتخابات العراقية والتحليل والتقسيم والسياسة قائمة على المحاصصة بين الشيعة والاكراد والتركمان وفئات السنة العرب ممن انخرطوا في العملية السياسية.
مفارقة كبيرة ان تكون مرحلة ما بعد الانتخابات مخاوف من تقسيم جغرافي, بينما تحقق التقسيم السياسي على اساس طائفي, والنزاع يشتد لتثبيت (اوتاد) التقاسم على اساس انتخابات يرى المستفيدون انها الثمن الذي حصلوا عليه مقابل الصمت بل الشراكة مع الاحتلال, وبعد ظهور النتائج شعر الشيعة انها الفرصة السانحة لقطف ثمار مواقف تتناقض مع ابسط قواعد وبديهيات علاقة الناس مع اوطانهم, ورأوا في هذه الارقام الجنة التي يعبرون اليها للقول انهم الاكثرية, ولتحويل هوية العراق الى دولة شيعية مرتبطة بمرجعيات دينية طائفية ذات ولاء لطهران, اما الاقليات الاخرى فإنها تجاهد من اجل الحصول على بعض الحضور اما عبر التخويف من الدولة الشيعية او رفع الصوت بالشكوى, ومحصلة كل هذا اننا امام عراق جديد ليس وفق مزاعم قادة جيش الاحتلال الاميركي وانما وفق المعادلة الطبيعية التي تقول ان وجود الاحتلال في اي بقعة في العالم, وتفكيك بنية الدولة القائمة وتحويل المستقبل السياسي لهذه الدولة الى مكافآت وثمن يوزع على من رضي بالاحتلال, كل هذا كفيل بأن يخرج كل امراض المجتمعات, بل ويعطي فرصة لكل العابثين ليمارسوا كل احقادهم التاريخية، حتى وان كانت على حساب هوية الدولة واستقرارها.
ومدهش ان يتحدث رئيس الوزراء المؤقت اياد علاوي عن اخطار تقسيم العراق, وهذا يعني ان الرئيس يتحدث عن امر ممكن الحدوث حتى لو كان بنسبة قليلة, لكن مجرد صدور هذه المخاوف من هذا الموقع يؤكد ان المسار الذي تسير عليه الامور باتجاه العراق الجديد خطير ليس على النخب الحاكمة بل على شكل الدولة وهويتها ومستقبلها.
العراق الجديد الذي بشرت به وزارة الدفاع الاميركية ليس مهد ديمقراطية نموذجية تهتدي به دول المنطقة, بل بقعة جغرافية تتنازعها الطوائف ومخاطر التقسيم, وتنظر اليها دول المحيط على انها مصدر تهديد لأمنها بسبب انعدام الامن والاستقرار، وعجز قوات الاحتلال حتى عن حماية نفسها من نار المقاومة الصادقة.
كم هو جميل ما قاله احد المحللين العراقيين من ان الطائفية لم تكن يوما حالة مؤثرة في العراق مثلما هي عليه الان, وأن العراق في زمن النظام الملكي كان يقود جيشه الاكراد والتركمان، لكنهم كانوا عراقيين ولم يكن احد يسأل عن اصولهم العرقية او طوائفهم الدينية.
تعزيز الطائفية ارادته الادارة الاميركية عقابا للسنة لأن منهم قوى المقاومة, وسعت منذ البداية لتقسيمه طائفياً في تركيبة مجلس الحكم الانتقالي ثم الحكومة المؤقتة وعبر قانون ادارة الدولة, لكن اول من سيكتوي بنار هذه الطائفية هي اميركا حتى وان كان حلفاؤها من يحكمون الان.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة