انطلقت بداية هذا الأسبوع الأمسيات الرمضانية السنوية المشتركة لأمانة عمان الكبرى ممثلة بمديرية الثقافة ، ورابطة الكتاب الأردنيين ، تقام في مقر الرابطة في الشميساني ، في بيت الشعر ، التابع للأمانة ، على التتابع ، وأرجو أن أثني خيراً على هذا التشارك الثقافي النوعي الذي يعمل على تكريس العمل الثقافي في المجتمع ، مما يخدم أهداف الجهتين. ولكن ما لفتني في قائمة المشاركين في الأمسيات طبيعة التنوع العجيبة فيها ، فكل أمسية رمضانية تقدم ثلاثة شعراء وقاصا واحدا ، أو قاصة واحدة.

لا أريد البحث في طريقة اختيار المشاركين وانتقائهم ، فهذا من شأن اللجنة المنظمة ، ولكني أتساءل لماذا كانت الأمسيات على نظام (ثلاث إلى واحد). هل هو تبجيل للشعر ورفع من مكانته وقيمته؟، ، أم انتقاص من شأن القصة ومكانتها وكونها قاصرا؟، ، وإلا لماذا لم تكن تلك الأمسيات خالصة شعريا أو قصصيا كل على إنفراد ، كي نرتاح من هذا التساؤل المشروع. أو لماذا لم تكن مناصفة تمشيا مع أبسط مفاهيم العدالة؟،

قبل الخوض في لب الموضوع أريد أن أبين أن مثل هذه الأمسيات والفعاليات الثقافية ، وعلى أهميتها الكبرى في خلق فرص تلاقي المثقفين والشعراء والقاصين مع بعضهم البعض وبالتالي تلاقح الخبرات وتنميتها ، إلا أنها ومع كبير الأسف باتت لا تستهوي الجمهور ولا تلفته ولا تجذبه ، بل ويكون في الغالب متواضعا في عدده ، والمعاينة أكبر دليل على هذا ، وربما يكون مرجع هذا العزوف يعود إلى نكوص موقع الثقافة بشكل عام في قائمة أولويات مجتمع هذا الزمن.

وعودة إلى موضوعة القصة والشعر وضلالها ، فقد أعلن في العام الماضي أحد النقاد في مؤتمر السرد الذي عقدته الرابطة في المركز الثقافي الملكي عن موت القصة ، وأنها كفن جميل ، أو كنوع أدبي في طريقها إلى الزوال والاضمحلال والتلاشي تاركة المجال متاحاً للرواية والشعر والنص العابر للأجناس وغيرها من الأنواع الكتابية.

أمام ذلك الطرح الغريب والمفاجئ انبرى نقاد كثيرون وقاصون مخلصون للدفاع عن هذا الفن الراقي والمدهش والصعب ، مستندين إلى فكرة أن هذا النوع الكتابي ما زال حيا وناميا على أرض الواقع ، وما زال يقدم الجديد والمبتكر دوما ، والدليل الإصدارات المتوالية في العالم العربي ، رغم أن كثيراً من كتاب القصة وروادها قاموا بالعبور من خلالها إلى فنون كتابيه أخرى ، أبرزها الرواية.

أحد القاصين الشباب ، وبعد أن أصدر مجموعتين قصصيتين قبل سنتين ، ندم ذات حوار على أنه تسرع بطرح نفسه قاصاً ، في بداية مشروعه الكتابي والإبداعي ، مستندا إلى حقيقة أنك إذا تكرست كقاص ، فسيصير مشكوكاً في كل إنتاج تقدمه عدا القصة ، بعد ذلك ، فالناس مع الانطباع الأول عموما ، مع أن العدالة تفيد بأن نحاكم كل عمل بمعزل عن الآخر.

ويضيف هذا الزميل القاص بأنه لو طرح ديواناً شعرياً في بداية أمره: فإنه سيكون له منتهى الحرية أن يمخر عباب أي فن كتابي آخر دون أن يقول له أحد ثلث الثلاث كم ، مستندا لفرضية أن (اسم شاعر) هو سلطة عابرة للأجناس الأدبية ، فلا يستغرب مثلاً من شاعر أن يكتب رواية ، أو يجرب في القصة ، أو المقالة الصحفية الأدبية ، ولكن إن أصدر قاص مجموعة شعرية ، فستلاقي حكما جازماً قبل أن تقرأ أو تدرس: شو جابه على الشعر،

على العموم ، أنا لست مع طرح زميلي القاص رغم أن كلامه فيه كثير من الصحة ، لكني أرى أن العبرة في الكتابة ليست ماذا نكتب وأي نوع نكتب ، ولكن العبرة بكيف نكتب. مشروعا: لماذا نظام ثلاث إلى واحد. هل جاء ببراءة خالصة؟،

قاص وشاعر أردني


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور