أحمدُ الله على نعمة (الريموت) وأرسل تشكراتي الحارة لمخترعه العظيم كلما جلست إلى التلفاز ، فهو يجعلنا بكبسة زر نولي الأدبار من محطة فضائية تشعرنا بالإسفاف والحاجة الضرورية لكسر الشاشة بكأس الماء الذي أمامك. ثم وبكبسة زر أخرى تقفز به عن فضائية تفيض (بياخة) من لدن مذيعات سطحيات لا يمتلكن إلا الشكل ، وبكبسة ثالثة ستهرب من مسابقات تافهة متفهة تستهتر بعقلية المشاهد وذكائه وتنظر إليه كحمار طاحون أعمى يدور في فلكها،،.
في رمضان هذا ازدادت الحمى الاستهلاكية في مجتمعنا ، وضربت جذورها في كل مفصل فينا ، رغم أن رمضان الحقيقي كان يجب أن يكون حصنا واقياً ضد هذا الوباء. لكن الحمى استشرت حرارتها مع اقترابنا من نهايته ، فبتنا نشعر بأننا مستلبون ومختطفون بل ورهائن لدى كثير من الفضائيات العتيدة ، التي ما أن تهرب من واحدة حتى تجد أختها أسوأ منها ، تهرب من دعايات لا تمجد إلا المعدة ومواد التنظيف ، لتقف عند مسابقات أقل ما يقال عنها إنها استغباء بالمشاهد وعقليته وثقافته وفطنته.
لفتني في الأسبوع الماضي في برنامج رمضان معنا أحلى أن المذيعة تحاول أن تتصل في أخر البرنامج بمشاهد كريم جدا ، ومن الطبيعي أن يكون هاتفه مشغولاً ، لتشكره لأنه صاحب أكبر رقم قياسي في الاتصال خلال يوم وليلة ، فقد قضى من حياته إحدى عشرة ساعة متصلا برقم البرنامج طمعا بسيارة أو ثلاجة أو فرن غاز.
لن أناقش الطريقة الأصيلة فاتحة الشهية ، التي يعامل بها مشاهدين على موائد إفطارهم ، من لدن محطة رسمية ندفع لها كل شهر ديناراً ، ولن أناقش كيف يرتفع ضغط المشاهد من تصرفات مقدمة البرنامج، ، وصفير زميلها الذي يشعرك بأنك في شارع ، ولكني سأقف حزناً عند شاب التصق هاتفه بصيوان أذنه دون كلل وملل لمدة 640 دقيقة،.
فعندما يسفح شاب من شبابنا نصف يومه ، وبتالي نصف حياته ، في مثل هذا اللهاث المحموم نحو نزعة استهلاكية. فكيف يمكنك أن تقرأ ظل الخبر؟،. وماذا تتوقع أنه فعل بنصف يومه الآخر؟، ، وماذا قدم لنفسه ولبلده ولعائلته؟، ، وماذا كسبنا حين جعل شبابنا أسرى لهذه الفجاجة الشرهة: ارحمونا.
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية