تتجلى روعة الحياة وبهاؤها ورونقها وجمالها بآدابها وفنونها المتعددة الأصيلة النابعة من فكر ووجدان مبدعيها الذين هم بناة الحضارات منذ فجر التاريخ، الفنون وحدها هي الجسر المعبد بين حضارات الماضي وثقافات الحاضر، وهي النافذة الفذة المطلة على المستقبل، والفنون وحدها هي الطريق الأخضر بين الإنسان وأخيه، فما من وسيلة جعلت التواصل الإنساني حميماً بين كافة شعوب الأرض قاطبة غير الفنون، فقد اختزلت الفنون لغات العالم إلى لغة واحدة يستطيع فهمها البشر جميعاً عبر الفكرة البناءة، والكلمة الجميلة، والنغمة المسافرة، والوسيلة الثقافية المخترعة في كل عصر من العصور لمخاطبة شعوب الأرض كافة، وفي النهاية تستميلهم وتستحوذ على تفكيرهم دون إخضاع أو إذلال، بينما في المقابل فشلت جميع الجيوش وجميع الحروب في استمالة فردٍ واحد لفكرة ما من خلال قوة السلاح، وهنا أجزم أن الفنون هي القوة الوحيدة التي استطاعت غزو عقل وقلب البشر والعمل على استمالتهم وإثارة مشاعرهم وأحاسيسهم، ولم تستطع أي قوة عسكرية على امتداد التاريخ البشري أن تحل محل الفنون في إخضاع البشرية لها.

الأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لحصرها.. ولنأخذ فقط القليل القليل منها، كلنا نذكر (الإمبراطورية الرومانية) لقد غزت جيوش روما بقاع الأرض، أين هي الآن تلك الجيوش الجرارة؟
لقد "ذهبت مع الريح" بينما ظل الفن الروماني يملأ بقاع الأرض، وآثاره ما زالت موجودة وشاهدة على عظمة ذاك الفن الأصيل، فمازالت الأعمدة الرومانية بزخارفها وبهائها واقفة شامخة في العديد من أصقاع العالم، لم تهزمها الرياح، ومازالت ساحاتها منفردة أمام مدرجاتها لم تمحها تعاقب وقع أقدام الأجيال على أرضها، ومازالت مدرجاتها تحمل من يجلس عليها رغم قِدَمها، وهاهو مدرج الكولوسيوم في روما يدخل في قائمة عجائب الدنيا السبع.

ولنذكر في العهد القريب الدولة العظمى (بريطانيا) تلك الدولة التي كانت لا تغيب الشمس عن أراضيها، احتلت جيوشها بقوة السلاح بقاعاً عدة من العالم، ماذا حل بتلك الجيوش؟ هزمت في النهاية وتقهقرت إلى أراضيها رغم عظمة قوتها وجبروتها، وكذلك جيوش فرنسا وألمانيا وإيطاليا...إلخ، كلها في النهاية هزمت وأُجبرت على الرحيل عن الأرض التي احتلتها بينما لم يرحل شكسبير عن مكتبات وجامعات العالم بأكمله، ومازال حاضراً في ثقافات كافة الشعوب وكذلك فكتور هيجو، وجوته، وتشللي، وهايني، وبتهوفن، وبيكاسو وجان جاك رسو..الخ، كل أولئك الأدباء والشعراء والفنانين غزو العالم بأسره بأدبهم وفنهم واحتلوا مكانة رفيعة في بقاع الأرض فكانوا أقوى وأفعل في اختراق أرجاء المعمورة من جيوش دولهم الجرارة.

لنأخذ العبرة من التاريخ (الفنون أقوى من الجيوش وأكثر قدرة على البقاء في ذاكرة الشعوب)؛ لذا أدعو كل من هو في مركز مسؤول وصاحب قرار في وطننا العربي عامة وفي فلسطيننا خاصة أن استمسكوا بأدبنا وفنوننا وتراثنا وثقافتنا، واعملوا على فتح الأبواب أمام المبدعين ليحلقوا في سماء العالم لتتعرف علينا شعوب الأرض من خلال الأدباء والشعراء والفنانيين فهم السفراء الحقيقيون الذين يمثلون شعبنا أمام الشعوب الأخرى فلنرتقِِ جميعاً إلى روح المسؤولية مثقفين وفنانين ومسؤولين.

 

كتب: المخرج يوسف علاري


المراجع

pulpit.alwatanvoice.com

التصانيف

أدب  أعلام   العلوم الاجتماعية   شخصيات