ذكرت في الحلقات السابقة ان جعبتي ملآى بقصص و حكايا عن شاعر دمشق ، و الآن اختم جزء من هذه الصفحات " أوراق الزمن المجهول " بقصيدتين الأولى نشرت في مجلة الصياد اللبنانية عام 1957 م ، و لم تنشر في أي ديوان شعر للشاعر ، و القصيدة الثانية ألقيت ارتجالا في مدينة حلب ، و لم يتضمنها أي ديوان للشاعر .
و قد نعود يوما ما و في حلقات جديدة لنتحدث عن المقالات التي نشرها نزار قباني في فترة الثمانينات من القرن الماضي في مجلة الأسبوع العربي اللبنانية ، تحت عنوان " رفة عصفور " و هي على غاية من الروعة ، و تؤرخ لأحداث سياسية هامة حصلت في تلك الأيام .؟
الرسائل الشهيدة :
هذه القصيدة " الرسائل الشهيدة " نشرت يوم 24 كانون الثاني عام 1957 م على أساس أنها أخر ما كتب نزار قباني :
أحقا.. رسالاتي إليك تمزقت وأجمل ما غنيت. . ما طرزت يدي
وهن حبيباتي..وهن روائعي وأكرم ما أعطت أنامل صانع
أأنكرما فيهن..لا ياصديقتي بأعصاب أعصابي..رسمت حروفها
عليهن أسلوبي..عليهن طابعي وأطعمتها من صحتي..من مدامعي
عليهن أحداقي ،وزرقة أعيني وأنفقت أيامي أوشي ذيولها
وروعة أسحاري وسحر مطالعي بدقة مثال. . وأشواق راكع. .
حروفي سفيراتي,مرايا خواطري أجيبي..أجيبي ما مصير رسائلي
وأطيب طيب في زوايا المخادع فإني مذ ضيعتها ألف ضائع!
ألم تترك النيران منها بقية أأخطأت؟ إني لا أحس خطيئي
ألم ينج حتى مقطع من مقاطعي ؟ أغامرت ؟إني لم.....غير قانع
حصيلة عام تنتهي في دقيقة كتبت,دواة الشمس ترضع ريشتي
وتلتهم النيران كل مزارعي.. وعينان أصفى من مياه النابع
وتذهب أوراقي التي استهلكت دمي أنا صاحب الأوراق ألف أقولها
فلا رجع موال..ولا صوت زارع على كل سطر نزعة من نوازعي
لتلعنني الدنيا فإني كتبتها أنا بعض هذا الحبر..ما عدت ذاكرا
ولودعتها ناري..ونار زوابعي حدود حروفي..من حدود أصابعي
كل دروب الحب توصل إلى حلب :
هذه القصيدة ارتجلها نزار قباني في مدينة حلب ، و لم تذكر في إي ديوان شعر له ، و حكاية القصيدة تقول : قام نزار قباني بزيارة مدينة حلب بدعوة من الاتحاد الوطني لطلبة سورية – فرع جامعة حلب – بتاريخ 21/12/1980 ، و كان الشاعر قد انقطع عن زيارتها لعشرات السنين ، اعتلى منبر الشعر ، و أمامه عشرات العشرات من شبان و شابات حلب الشهباء ، متراصون كعنقود العنب البلدي ، و كل ينتظر ماذا بجعبة ابن دمشق لحلب و أهل حلب .؟ ماذا يقول لهم .؟ و ما هو عذره في الانقطاع الطويل عن مدينتهم . و نزار حائر ماذا يقول لحلب المدينة العريقة التي غاب عنها عشرات السنين ، و كيف يعتذر عن هذا الغياب ، و هل حلب تقبل اعتذار شاعر دمشق .؟ فارتجل منشدا :
كل الدروب لدى الأوربيين توصل إلى روما
كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر
وكل دروب الحب توصل إلى حلب
صحيح أن موعدي مع حلب تأخر ربع قرن
وصحيح أن النساء الجميلات لا يغفرن لرجل
لا ذاكرة له ولا يتسامحن مع رجل لا ينظر
في أوراقه الروزنامة..
ولا يقدم لهن فروض العشق اليومي .
كل هذا صحيح ولكن النساء الجميلات وحلب
واحدة منهن
يعرفن أيضا أن الرجل الذي يبقى صامدا في نار العشق
خمسا وعشرين سنة ويجيء ولو بعد خمس وعشرين سنة
هو رجل يعرف كيف يحب ويعرف من يحب
ربما لم أضع حلب على خريطتي الشعرية
وهذه إحدى أكبر خطاياي ولكن حلب كانت دائما
على خريطة عواطفي وكانت تختبئ في شراييني
كما يختبئ الكحل في العين السوداء
وكما يختبئ السكر في حبة العنب
واليوم تتفجر الحلاوة كلها على فمي
فلا أعرف من أين يبدأ الشعر ومن أين
يبدأ النبيذ ومن أين تبتدأ الشفة
ومن أين تبتدأ القبلة
ومن أين تبتدأ دموعي
ومن أين تبتدأ حلب
لا أريد أن أتغزل بحلب كثيرا
حتى لا تطمع
ولا أريد أن أتكلم عن الحب
بقدر ما أريد أن أحب
كلماتنا في الحب تقتل حبنا
إن حروفنا تموت حين تقال
كل ما أريد أن أقوله أن حب النساء
وحب المدن قضاء وقدر
وهاأنذا في حلب
لأواجه قدرا من أجمل أقداري
و حين انتهى نزار من إلقاء القصيدة علت أصوات الحضور و اختلطت مع التصفيق الحاد ... و قبلت حلب الشهباء و أهلها اعتذار نزار عن هذا الغياب الطويل الذي استمر خمس و عشرون عاما ، و انشد في هذه الأمسية الحلبية القصائد التالية : " إني خيرتك - زيديني عشقا - أشهد أن لا امرأة إلا أنت – حبلى - قارئة الفنجان – غرناطة - قصائد قصيرة من كتاب الحب - الوصية - الخطاب - مواويل دمشقية لقمر بغداد – " و استمرت الأمسية الشعرية الحلبية ساعات طويلة تبادل فيها نزار و حلب العتاب و العشق , وكل دروب الحب توصل إلى حلب .
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب مجتمع