سلسلة المعرفة الحلقة الثانية والثلاثون
محمد سعيد التركي
مطلب المسلمين الأعظم
كون أن الدولة الإسلامية أصبحت لدى
المسلمين هي المطلب الأعظم، فكان لا بد للمسلمين أن يعلموا ماهية هذه الدولة
وصفتها، والأساس الذي تقوم عليه، في الوقت الذي قام فيه كل فاجر وكافر من الحكام
بالإدعاء أن دولته دولة إسلامية تحكم بالكتاب وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه
هو قائد الأمة، وهو رجلها الأعظم، لذا فإننا سنستعرض هنا صفة الدولة الإسلامية،
وصفة عقيدتها، وصفة النظام المنبثق عن هذه العقيدة، والشروط التي يجب أن تكون
متوفرة لأن تكون الدولة دولة إسلامية.
إن الدولة بشكل عام هي
الجهاز الحاكم،
وليست هي الأرض أو البلاد أو الشعب، وهي التي من خلال تسميتها نتمكن من التعرف على
ماهيتها، وماهية نظامها، وماهية رجالها، وماهية الدستور المطبق فيها.
ولا نستطيع أن نسمي أيّ الدولة بدين شعبها، أو
بالأعراف التي يحملونها، أو بلغتها، أو بغير ذلك، إنما تأتي تسمية أي دولة من خلال
مبدأ تلك الدولة، أي من خلال عقيدة هذه الدولة والنظام المنبثق من هذه العقيدة،
ولا تأتي تسميتها من خلال عقيدة شعبها،
أو من خلال انتمائهم الفكري أو نشاطهم التجاري، أو من خلال هويتهم الصناعية أو
الزراعية
.
أما الشرط الثاني للدولة
الصحيحة،
لا يحصل إلا عندما يكون هناك تراض بين الحاكم والمحكوم على مبدأ الدولة (أي عقيدتها
ونظامها المنبثق من عقيدتها)، هذا التراضي لا يحصل عادة بين الحاكم والمحكوم على
الإطلاق، إذا لم يكن السلطان أي قوة الأمر والنهي بيد
الشعب، وإن لم تكن إرادة السمع والطاعة، وكذا إرادة العصيان والخروج على
الحاكم بيد هذا الشعب، لأن الشعب هو الذي ينتخب حاكمه ويبايعه على السمع والطاعة،
وبالتالي هو الذي بيده القدرة على نزع حاكمه إذا ما خالف ما عُقدت عليه البيعة.
فإذا ما أردنا أن نتحدث عن
دولة إسلامية، فإننا بالتأكيد نتحدث تماماً عن شيء ليس له وجود في الواقع اليوم،
وعن شيء يخالف تماماً كل الأنظمة الموجودة القائمة اليوم في العالم العربي أو
الإسلامي أو غيره.
فالدولة الإسلامية هي دولة أسسها
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، واستُخلف فيها سيدنا أبو بكر الصديق من بعده، وسار
عليها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في أحسن صورتها، ثم تبعهم فيها باقي الخلفاء،
الأمويون ثم العباسيون ثم العثمانيون، ومن بين ذلك بعض الدويلات المختلفة، حتى آلت
إلى السقوط على أيدي الحلفاء الأعداء المستعمرين، بريطانيا وفرنسا وغيرهم، قبل قرن
من الزمان، فصنعوا من أراضي الدولة الإسلامية العظمى قطعاً متفرقة وممزقة وهزيلة،
كما هي ماثلة أمامنا اليوم
)سوريا، عراق، أردن، سودان، إيران، أفغانستان،
باكستان، مصر، سعودية، لبنان، تركيا، ودول خليج ودول مغاربية وغيرها(، ثم أخضعوا البلاد وأهلها من
المسلمين لعبوديتهم بدلا من عبادة الله، عبودية نجسة من طراز فريد من نوعه.
هذه الدول التي أنشأها الكفار هي ليست
أكثر من دول رأسمالية حقيرة، بخلاف سادة هذه الدول من الأمريكان والأوروبيين، الذين
ينعمون بنهضة رأسمالية قوية، ورفاهية عظيمة قامت على حساب دماء بلاد المسلمين
وثرواتهم وأموالهم وأسواقهم المنتهكة.
وهي دول يقوم حكامها بالتدليس على الشعوب لإرضائهم،
ولتخديرهم ولتجميدهم في أماكنهم، بتسمية أنفسهم دولاً أو حكومات إسلامية، وهذا بعيد
عن الحقيقة بُعد مشارق الأرض عن مغاربها
.
فالبلاد التي أهلها مسلمون
اليوم هي بلاد إسلامية، وليست دول إسلامية، فليست الدولة الإسلامية هي التي يكون
حاكمها أو الذي يعتلي عرش الحكم فيها مسلماً ويدعي الإسلام، وليست الدولة الإسلامية
هي التي تحمل في طياتها أحد الثلاث المساجد الحرام،
الحرم المكي أو المدني أو المسجد الأقصى، أو كلهم مجتمعين، وليست الدولة الإسلامية
دول متعددة بل هي دولة واحدة وخليفتها واحد، لا شأن لها بأي حكم من أحكام الكفر،
كالنظام الديمقراطي أو الاشتراكي أو الشعبي أو الملكي أو غيره
.
إنما الدولة الإسلامية هي
دولة الخلافة الواحدة، التي يُحكم فيها بالإسلام كاملاً، ويكون السلطان فيها
للمسلمين أنفسهم
كما بينا عاليه، وهي التي ليس ولم يعد لها وجود في العالم اليوم، وهي التي يجب أن
ندعو لها، ونعمل على إقامتها، وإعادة الحكم بما أنزل الله
فيها، وضم كل مسلمي العالم تحت لوائها ورايتها وسيادتها ولغتها العربية، بكافة
ألوانهم وأصولهم وأعراقهم، وهي الدولة التي ليس فيها رجال دين، بل كل
المسلمين فيها سواء في التكاليف والحقوق والواجبات، وهي الدولة التي تحمي الإسلام
وديار المسلمين، وتحمل الإسلام للعالم أجمع، وهي الدولة التي تقوم أحكامها على أساس
الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، وهي الدولة التي تجمع المسلمين بكافة
مذاهبهم السنية والشيعية وغيرها المعتبرة شرعاً، لا تفرق بينهم، وهي الدولة التي
سنلقي الضوء عليها في حلقاتنا القادمة إن شاء الله من ناحية:
• نظام الحكم وأجهزة الدولة فيها
• النظام الاقتصادي
• النظام الاجتماعي
• سياسة التعليم
• السياسة الخارجية للدولة الإسلامية
قال الله تعالى في سورة الأنبياء 92:
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
وقال تعالى في سورة المؤمنون 52:
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
وقال الله تعالى في سورة الحج 78:
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ
النَّصِيرُ
وقال سيدنا المصطفى صلى الله عليه
وسلم: يا كعب بن عُجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال:
وما إمارة السفهاء؟ قال:
أمراء يكونون من بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون
بسنتي، فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم
ولا يردون على حوضي، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم
فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي.