عندما هاتفني ، كنت أنظر من نافذتي نافثاً غيومي الدافئة على زجاجها البارد: كي أرسم بإصبعي قلبا صغيراً ، يخترقه سهم كبير. قلباً أعرف أنه سيتلاشي بعد قليل من الدفء. قال صديقي: ما رأيك بموجة جنون؟،. أريد أن نأخذ جولة تحت هذا المطر العاري. أريد أن أشعر بالبلل من رأسي لساسي ، أريد أن يدغدغني الماء ، ويخترق كنزتي ، ويشعرني بالحب والطفولة. أريد أن أغسل عني هذا التكلس،.
لم أقل لصديقي كيف سيقدر أن تترك عملك الهام ، ويقطف هذه الفرحة، ، أو كيف ستفعلها وأنت ما زلت تعتقد أنك أصبحت كبيراً على أفعال الصبيان والعشاق. بل قلت له: هناك شارع فرعي ، خلف شارعكم الصاخب ، امش به ، وسأكون عندك بعد ثلث ساعة. امشً ، وابقً لي شيئاً من جنونك الطارئ ، وشيئاً من لهفة المطر،.
في الطريق كانت ماسحة زجاج سيارتي تلهث وكان ثمة أولاد اندلقوا سريعاً من باص مدرستهم راحوا يتصايحون وهم ينالون دوشهم المباغتً. أحدهم قذف حقيبة ظهره على باب العمارة ، ورجع ينسج من خيوط المطر رقصة تمنيت لو أشاركه جنونها الجريء.
وصلت الشارع الفرعي ، ولم أر صديقي: كما توقعت ، فأعطيته رنة هاتف تهمزه ، ثم نزلت لآخذ دغدغة صغيرة. وكان غزيراً هذا المطر ، فتمنيت لو أن لنظاراتي ماسحة توضح الدرب: فأرى ولدا صغيراً يعبث ببركة الماء بحذائه الطويل ، غير آبه بالبلل بل يرفع رأسه كل ليدخل المطر في فمه ، لا بد أنه يبحث عن قوس قزح يتشكل على وجه الماء جراء بعض الزيوت وبعض الأحلام: شكراً أيها الولد: لأنك تعرف كيف تلهو بألوان مسراتك العابرة.
وبعد أن توقف المطر ، جاء يلوح بيديه ، معتذرا أن العمل أقعده ، ثم سأل بهبل: أين المطر؟، ، فقلت له: بح ، ما ظل شيء في طنجرة السماء،. فقال: لا بد أن يبللني الماء ، حتى لو انتظرته ساعتين ، فاقترحت عليه أن يقف بالقرب من تلك البركة ، فأرشقه بسيارتي ذهاباً وإياباً ، لكنه أصر أن يبلله مطر حقيقي.
فقلت له: رغم أنك لست أهلاً للمسرات العابرة ، إلا أنني سأدلك على غيمة لم تعصر ماءها بعد ، فأخذته إلى نهاية الشارع ، وأقعدته على مقعد خشبي ، تحت شجرة عامرة ، وقلت له: أغمض عينيك أيها الفتى الكسول ، سأعصر لك تلك الغيمة المنسية في قاع الطنجرة. وما أن نظر عالياً ، حتى ركلت الشجرة ركلتين: فنفضت مطرها عليه ، تبلبل فزعاً صائحاً: ولك يا مجنون ، سأمرض من بلل البرد ، فقلت له: بل ستشفى من تكلسك ، أيها العاقل البليد،.
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية