كي أبعد عنكم بردَ العنوان وقشعريرته ، أذكركم بنار (الزحفتين) الشهيرة عند أهلنا البدو ، التي توقد من نباتات صحراوية خفيفة ، كالقش أو الشيح أو البُلان أو القيصوم ، وميزة هذه النار أنها في أول أمرها ترتفع عالية حامية ، تطاول عنان السماء ، وتحرق عين الطير الطاير ، ما يضطرك أن تزحف بعيداً عنها ، هارباً عن صلي حرها ، لكن ما هي إلا لحظات وجيزة ، حتى تخمد هذه النار وتفتر ، فتضطر أن تزحف هذه المرة مقترباً منها ، علك تجد دفئاً بات مفقوداً كان متأججاً قبل لحظات ، ولهذا تسمى بنار الزحفتين: زحفة إلى الخلف ، ثم زحفة إلى الأمام،.

والعرب كانت تشعل نيراناً كثرة في بواديها ولياليها وصحاريها ، منها نار القرى ، ونار الحرب ، والأهم نار السعالي ، والسعالي هي الضباع والسباع الكاسرة التي تغير في الظلام ، وهي لا تهاب إلا النيران الأجاجة الدائمة الاشتعال ، ولهذا بات من المناسب في هذه الأيام أن نشعل ناراً حامية (لا تقربوا على حطبات عجلون وجرش،) ، ناراً غير نار الزحفتين ، علّ الضباع الشفافة لا ترى بالعين المجردة تولي هاربة عن لحمنا ، فها هو أمر بعضها يتكشف تباعا ، بعملية اختلاس جديدة ، بدأت في وزارة الزراعة ، ولن تنتهي بها: مسبحة وانقطع خيطها..

ولأنني مؤمن كل الإيمان بأن أي فساد مالي يسبقه بالضرورة فساد إداري ورقابي ، أتساءل بحسرة ومرارة كغيري من الناس: أين كانت العربان العاربة في وزاراتنا العتيدة ، عن هذه الضباع والسعالي والمختلسين. لماذا تركتموهم يتمادون في غيهم حتى كشفت أمرها الصدفة؟،. فشكرا للصدفة. أتمنى أن لا تكون نار مكافحة الفساد في بلادنا من نوع نار الزحفتين ، أي تهب وتشب بقوة ونشوة ، ثم ما تلبث أن تخمد مورثة قليلاً من الرماد ، نذره في عين الحقيقة،: فتعود الضباع إلى قطف خرافنا ، وتعود حليمة لعادتها القديمة. دعونا نشعل ناراً حقيقية لمكافحة الفساد،.

ملاحظة جليدية: حتى ولو لم نر عيانا بيانا جبلاً جليدياً طافياً في الماء ، فقد علمتنا الحياة أن ما خفي أعظم ، وأن هذا الجبل الجليدي العائم لا يظهر منه فوق الماء أكثر من ثلثه ، والباقي في الظلام. فماذا لو تم البحث في الجزء المخفي تحت ظلام الماء؟.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور