أظن أن أركان الإسلام خمسة ، على هذا النحو من الترتيب : الشهادة ، الصلاة ، الزكاة ، الصيام ، الحج ( أرجو التصحيح إن كنت مخطئا ) قرأت حديثا في صحيح البخاري - كتاب الإيمان - باب " بني الإسلام على خمس " الحديث رقم: (7)، عرض الحديث ترتيبا يختلف عن الترتيب الذي ذكرته سالفاً ، فلو كان الترتيب الذي ذكرته سالفاً صحيحا فلماذا ذكر الحديث ترتيباً مختلفاً ؟ 
 

الجواب :

الحمد لله
 
عند التوسع في تخريج حديث : ( بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ) يتبين لنا أنه قد رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما جماعة من أصحابه وتلاميذه ، وقد اختلفوا في روايته عنه على وجهين:
 

الوجه الأول : تقديم الحج على صوم رمضان .

 
وقد رواه على هذا الوجه اثنان من ثقات أصحاب ابن عمر رضي الله عنه من غير اختلاف عليهم ، وهما :
 
1- محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر : أخرجه مسلم وغيره (رقم/21)، وانظر: "العلل" للدارقطني (13/211)
 
2- سلمة بن كهيل : أخرجه عبد بن حميد في " المسند " (رقم/823) ، وفي "العلل" للدارقطني (13/185) ذكر بعض الاختلاف على سلمة بن كهيل بين الرفع والوقف .
 
ورواه أيضا بتقديم الحج على الصوم ثقتان آخران من أصحاب ابن عمر ، ولكن مع الاختلاف عليهم في الرواية ، والراجح عنهما هو وجه تقديم الحج على الصوم ، كما سيأتي بيانه في الوجه الثاني .
 
وقد روي الحديث أيضا على هذا الوجه من طريق يزيد بن بشر عن عبد الله بن عمر كما أخرجه أحمد (8/417) طبعة مؤسسة الرسالة ، ومن طريق أبي سويد العبدي كما أخرجه أيضا الإمام أحمد (9/484) طبعة مؤسسة الرسالة ، ولكنها طرق ضعيفة بسبب جهالة كل من يزيد وأبي سويد .
 

الوجه الثاني : تقديم صوم رمضان على الحج

 
وقد وقع ذلك في رواية ثلاثة من أصحاب ابن عمر ، واحد منهم لم يختلف عليه ، والاثنان الآخران اختلف عليهما ، والراجح عنهما تقديم الحج على الصوم :
 
1- حبيب بن أبي ثابت : أخرجه الحميدي (2/308) ، والترمذي (رقم/2069) من طريق سُفْيان بن عُيَيْنَة ، عن سُعَير بن الخِمْس التميمي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، فذكره .
 
قال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وسعير بن الخمس ثقة عند أهل الحديث " انتهى .
 
غير أن سعير بن الخمس وإن وثقه أكثر النقاد ، فإن أبا حاتم الرازي رحمه الله قال فيه : "  صالح الحديث ، يكتب حديثه و لا يحتج به " انتهى. انظر: " تهذيب التهذيب " (4/106)
 
2- سعد بن عبيدة : رواه سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي ، عن سعد بن عبيدة .
 
ولكن الرواة عن أبي مالك الأشجعي اختلفوا عليه :
 
فرواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة – كما في " صحيح مسلم " (رقم/20) – بتقديم الحج على صوم رمضان .
 
وقد ذكر لفظه المطول الخطيب البغدادي في " الكفاية " (ص/176) وفيه : ( فقال رجل : تعبد الله وتكفر بما دونه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان . قال – يعني ابن عمر - : لا ، اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت مِن في رسول الله صلى الله عليه وسلم )
 
ورواه سليمان بن حيَّان الأحمر – كما في " صحيح مسلم " (رقم/19) – بتقديم الصوم على الحج ، ولفظه : ( بني الإسلام على خمسة : على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج . فقال رجل : الحج وصيام رمضان ؟ قال : لا ، صيام رمضان والحج ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم )
 
ولا شك أن رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أوثق من رواية سليمان الأحمر ؛ لأن يحيى بن زكريا ثقة في الدرجة العليا من الحفظ والإتقان ، حتى قال علي بن المديني : لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه ، انتهى إليه العلم بعد الثوري . ثم إن يحيى بن زكريا معروف بالفقه والفهم ، فهو أقدر على ضبط ترتيب كلمات الحديث على الوجه الذي يناسب ، انظر: " تهذيب التهذيب " (11/209) وأما سليمان الأحمر فهو وإن كان ثقة صحيح الحديث إلا أنه قد أخذت عليه أحاديث لا يتابع عليها ، وتكلم فيه يحيى بن معين والبزار وابن عدي ، ينظر ذلك أيضا في " تهذيب التهذيب " (4/181) .
 
3- عكرمة بن خالد : غير أن الرواة اختلفوا أيضا في الرواية من طريق عكرمة بن خالد :
 
فجاء بتقديم الحج على الصوم : أخرجه البخاري (رقم/8) من طريق عبيد الله بن موسى ، والنَّسائي (رقم/5001) من طريق المعافى بن عمران ، كلاهما عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، عن عكرمة بن خالد به .
 
وجاء بتقديم الصوم على الحج : أخرجه مسلم (رقم/22) من طريق عبد الله بن نمير ، وابن حبان أيضا (4/294) من طريق عبد الله بن وهب ، كلاهما عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن عكرمة بن خالد به .
 
وروي عن كل من روح بن عبادة ، ووكيع  عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن عكرمة بن خالد على الوجهين – تقديم الصوم وتقديم الحج - كما في صحيحي ابن خزيمة (1/159) وابن حبان (1/373) 
 
ولعل الوجه الراجح على حنظلة بن أبي سفيان هنا هو أيضا تقديم الحج على الصوم ، إذ يبدو أن النقاد على اطلاع خاص بضبط عبيد الله بن موسى لهذه الرواية أكثر من غيره ، لذلك اختارها الإمام البخاري رحمه الله ، وقال الإمام الدارقطني رحمه الله – بعد أن ذكر أوجها أخرى رويت عن حنظلة بن أبي سفيان - :
 
" خالفه وكيع ، وإسحاق بن سليمان الرازي ، وقاسم بن مالك المزني ، وعبيد الله بن موسى ، ورووه عن حنظلة ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الصواب .
 
إلا أن في حديث قاسم بن مالك : عكرمة بن خالد ، عن طاووس ، عن ابن عمر .
 
والصواب ما قاله عبيد الله بن موسى ، فإنه ضبط إسناده " انتهى.
 
" العلل " (13/129)
 
والحاصل من جميع ما سبق أن الذي يبدو – والله أعلم – أن رواية تقديم الحج على الصوم هي الرواية الأرجح ، وذلك لما يلي :
 
أولا : اجتماع أكثر أصحاب ابن عمر رضي الله عنهما على هذه الرواية ، أما رواية تقديم الصوم على الحج فإنما ينفرد بها حبيب بن أبي ثابت فقط ، وفي الطريق إليه بعض النقد ، فرواية الأكثر والأحفظ أرجح ولا شك .
 
ثانيا : اختيار الإمامين البخاري والنسائي لرواية تقديم الحج على الصوم يدل على أرجحيتها ، فقد اكتفيا بإخراجها من هذا الطريق تقريرا منهما أنها هي الطريق الصحيحة ، وما عداها مروي بالمعنى ، بل بنى الإمام البخاري صحيحه على هذا الترتيب ، فقدم كتاب الحج على كتاب الصوم لهذا السبب كما قال الحافظ ابن حجر ، والبخاري والنسائي هما من أعلم النقاد بعلوم العلل ، ودقائق الروايات .
 
وأما تقديم الصوم على الحج فإنما أخرجها الإمام مسلم في صحيحه إلى جانب الرواية الأولى، ومن منهج الإمام مسلم رحمه الله إخراج الروايات المختلفة في مكان واحد ، وإن كان يرى ترجيح إحداها ، والأقرب أنه يرجح تقديم الحج على الصوم للأسباب التي ذكرناها عند الحديث على رواية سعد بن عبيدة من أصحاب ابن عمر .
 
ثالثا : تقديم الحج على الصوم في حديث ابن عمر له شاهد حسن من حديث جرير بن عبد الله البجلي . أخرجه أحمد (4/363)
 
وأما ما يسلكه أكثر العلماء في كتب الفقه والحديث من تقديم الصوم على الحج ، فإنما هو لترجيح كثير منهم رواية تقديم الصوم على الحج ، كما هو معروف من كلامهم في موضعه ، وبعضهم يختار تقديم الصوم على الحج لأمر آخر خارج عن الرواية ، بل بناء على اجتهادات وتعليلات نظرية . قال الإمام النووي رحمه الله :
 
" قدموا الصوم على الحج ؛ لأنه جاء في إحدى الروايتين ؛ ولأنه أعم وجوبا من الحج ، فإنه يجب على كثيرين ممن لا حج عليه ، ويجب أيضا على الفور ، ويتكرر " انتهى.
 
" المجموع " (1/124)
 
وعلى كل حال فالمسألة محل اجتهاد ونظر ، ولعل ما ذكرناه هو الأرجح من حيث الرواية ، والاختلاف في مثل ذلك يسير ، لا يترتب عليه كثير شيء ؛ ولا يدل بمجرده على تفضيل الحج على الصوم ، أو عكسه .
 
والله أعلم .
 
الإسلام سؤال وجواب

المراجع

موسوعة الاسلام سؤال وجواب  

التصانيف

المعرفة