(ويكي) تعني الباص الذي يعمل بسرعة ونشاط مثل مكوك بين مكانين ذهاباً وإيابا. و(ليكس) تعني التسريبات أو الفضائح أو المسكوت عنه، والتي يرشح بعضها من هنا وهناك، وحين تندمج الكلمتان تتولد (ويكيليكس)، وتعني الموقع الذي شغل العالم قبل أيام بنشره فضائح ووثائق سرية حول حرب العراق.

فهل كنا بحاجة لتسريبات، كي نتأكد من ظلم الحرب؟،  هل كنا بحاجة لوثيقة مكتوبة بالحبر ، كي نستدل على دم القتيلة العالق بأصابع المجرمين؟، أو كنا بحاجة لمكوك نشط ينقل هذا الدماء حبراً على ورق، أو كلمات مضيئة على شاشات الحواسيب؟، هل كنا بحاجة لدليل على ظلم حرب العراق؟،.

تعلمنا في الفيزياء، أن لا نأخذ بالظاهر، ولا بما يتحرك على سطح الطاولة، ولا بكل ما يقال ويذاع وينشر ، فجبل الجليد الغاطس في المحيط، لا يظهر منه إلا القليل فوق الماء، فدائماً ما خفي أعظم وأخطر وأكبر. ولهذا لم نكن بحاجة إلى تسريبات ووثائق ويكيليكس، كي نعرف أن حربهم التي دمرت العراق وإعادته إلى مربع الحضارة الأول كانت غشوماً بغير وجه حق ملفقة مفبركة، ستبقى لطخة أبدية في وجه العدالة.

ومع هذا، فالعالم الذي شهد أكبر عملية تضليل حين تم التجييش لسحق بغداد، سيتعامل مع هذه الوثائق بطريقة الموجة البركة صغيرة، التي سرعان ما تسكن وتختفي. لأن الظلم عابر للقرارات، قادر على إغلاق شقوق وثقوب التسريبات، قادر على حرق الوثائق وتعتيم الشاسات، وقادر أيضاً على إيقاف المكوك، بتسريب وقوده حتى آخر قطرة حقيقة.

ولا أدري، لماذا كلما ذكرت بغداد، حتى ولو في وثيقة دموية ينتابني تيار حنين عالي الفولتية لدجلة الخير؟، تأخذني كي أسلم على عجوز صياد أقعده الصبر فوق حجر صغير. فبي حنين لشاي (أبو علي) المطيب بالهيل في راغبة خاتون. وبي حنين لأصحاب تأخذهم خطاهم للوزيرة: ليقرأوا نخيلها الباسق وبيوتها القديمة. بي حنين لسنتر المستنصرية وصبية تنتابها موجة حيرة وارتباك: فتنكب على في دفترها تشتبك مع معادلة صعبة في الفيزياء. يااااااااااااااااااااااه، ما أصعب معادلتك، يا بغداد،.

فمن يفك طلسمك، من يحل معادلتك، أيتها الصبية التي شاخت قبل أوانها؟، من يردك إلينا بأسراب حمام تناور عين الشمس من الرصافة إلى الصين. من يردك إلينا طيبة كخبز تنور يخرج للتو من فم النار، من يعيدك وادعة كليلة صيف في الحبانية. أحن إليك، وأبتهل لله أن يعيدك لمجدك التليد،.


بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية