القيمة الحقيقية لاي تغيير او تبديل ان يبعث لدى المتابعين والمواطنين اهتماماً حقيقياً وشعوراً بالتفاؤل بإمكانية تغيير الامور باتجاه مسارات ايجابية, وان يملك المواطن القدرة على الاحساس بأن شيئاً قادماً يستحق الانتظار والمتابعة, ويستحق ايضاً ان يعطى فرصة للعمل قبل التقييم, اي ان يكون القادم سواء كان حكومة او طاقماً او مسؤولاً لوزارة او دائرة يملك ما يستطيع تقديمه, كما يقال القدرة على اضفاء لمسة ايجابية على الواقع الموجود.
ومشكلة الحكومات الذاهبة والقادمة عبر العقود انها استطاعت انتزاع عامل الدهشة لدى الاردنيين, ليس لان المواطن سلبي وسوداوي في نظرته للامور, بل لان العقود الطويلة من التجارب اثبتت ان الكثير من التغييرات والتحركات لم تصل في تأثيرها الى جوهر الامور, وان ذهاب فلان وقدوم علان لم يقم وفق اسس يمكن فهمها للقدوم والمجيء, فالخطوة الاولى في اعطاء اي تغيير قيمته الوطنية ان يقدم اجابات واضحة للناس عن اسس واسباب ذهاب هذا المسؤول او ذاك, واسس واسباب قدوم ذلك المسؤول او الطاقم, فهذا الاساس يمكن مع وجوده بناء آلية التفاؤل لدى المواطن ويعطي لكل ما يجري دلالة ومعنى وتأثيرا.
الحكومات والمواقع في بلادنا ليست مؤبدة او دائمة وسرعة التغيير يراها البعض ايجابية في اعطاء فرص لقاعدة اوسع للعمل, لكن هذا نصف الاجابة او نصف الحقيقة, اما النصف الاخر فيرتبط بالاسس والمعايير والمواصفات التي يتم وفقها ذهاب فلان او طاقمه ومجيء الاخر, ويتوافق مع هذا ان يكون ما يجري يعني ثباتاً للخطط والبرامج, فكم من حكومات تحدثت عن جبال من الاستراتيجيات وتم الترويج لها, لكنها تحولت الى مخلفات عهد سابق بعد ان حلف الجدد عهد الولاء والاخلاص الدستوري, وهذا ما ولد لدى الناس حالة من عدم الثقة في كل ما يقال انه خطط وبرامج لان أعمار اصحابها محدودة ورحيلهم عن مواقعهم اشبه بالسكتة القلبية تأتي حيث لا يتوقعها احد, ومثل الزلازل تدمر في لحظات الكثير من احلام التطوير والتغيير.
من السهل على اي حكومة ان تأتي وتتولى مسؤوليتها لكن ما هو صعب ان تقنع الاردنيين ان لديها الجديد لتقدمه, وانها تملك مضمونا يختلف عما مضى, والاهم ان يصل المواطن الى قناعة بأن المسؤول اصبح في موقعه لان لديه ما يقدمه وليس لانه يملك من يقدمه, وهذه من المهمات الصعبة التي تستحق من حكوماتنا بذل جهد كبير, لانها ترتبط بمصداقية لا تتوفر عبر خطاب او تصريح بل عبر ممارسة طويلة وتجارب متراكمة في اذهان الناس.
المدهش ليس التغيير فهو حدث ممكن الوقوع, لكن المدهش حقيقة هو المضمون الجديد القادر على التغيير الذي افتقده الاردنيون في كثير من عمليات التغيير الصغيرة والكبيرة, ونتمنى مع اي تغيير قادم ان تتوافر لدينا الدهشة لكن  في جانبها الايجابي.
من جهة أخرى يحق لنا نحن الذين لم نكن في حالة مجاملة للحكومة المستقيلة ان نسجل لرئيسها انه من اكثر رؤساء الحكومات على صعيد الصفات الشخصية الايجابية من تواضع وتواصل اجتماعي وخلق كريم، اكتسبه من نسبه وتجربته الطويلة في العمل في الديوان الملكي, واستطاع ان يحافظ على هذا المخزون الشخصي الكريم خلال شهور حكومته, لكنه  اعتمد كثيراً على مخزون اخلاقه الكريمة في ادارة الحكومة, وهذا امر جميل لكنه غير كاف لادارة ساحة سياسية والتعاطي مع ظرف اقليمي حرج, كما انه لم يستطع في بعض المراحل لملمة اداء فريقه, ودخلت حكومته في عدد من الازمات, وتلقت حكومته نقداً واسعاً على صعيد وجبة التعيينات وقانون النقابات, واخرها ما جلبته وزارة الخارجية من جدل سلبي بحق الاردن وصورته وحتى اولئك الذين استفادوا من كرم الحكومة وانتفعوا من عطاياها فإنهم لم يقدموا لها شيئاً مذكوراً، وربما اعتبروا هذه الاعطيات جزءا من سياسة الحكومة او للصمت على ما يرونه من ثغرات.
لقد استقال الفايز لكنه حافظ على صورته الشخصية الايجابية, وما زال الجميع يذكرون خصاله الايجابية, لكن هذا لا يمنع من ان تخضع تجربة حكومته سياسياً واقتصادياً إلى تقييم لاحق يتسم بالموضوعية والعمق, فمكائد السياسيين وتعقيدات الساحة ومشكلات الادارة والاقتصاد تتطلب فريقا متماسكا وخطة واضحة, وهذا الذي لا يضمنه احد حتى في مخرجات التغيير القادم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة