تعميم أصدره وزير التربية والتعليم مؤخراً الى مديريات التربية والتعليم ومنها الى كل مدارس المملكة يلزم ادارة كل مدرسة بتعليق صور الملوك الراحلين رحمهم الله, وخارطة النسب الهاشمي ضمن اطر زجاجية الى جانب علم الاردن وخارطته وصورة جلالة الملك في كل غرفة صف في كل مدرسة من مدارس الاردن.
وهذا القرار في جوهره جميل ويعبر عن رغبة الوزارة في البحث عن آليات لتعزيز الانتماء لدى الطلبة وتقريبهم من بعض التاريخ السياسي الاردني وقيادته وخارطته وجغرافيته وعلمه, لكن الحديث عن الآليات والوسائل، التي تكون احيانا مبالغا فيها وتحمل بعض اشكال التكلف وتحمّل المدارس عبئا اداريا لا ضرورة له.
ولعل مدارء المدارس او غيرهم يمارسون الصمت وعدم الحديث عن هذه الآليات لانهم يعتقدون انه موضوع خطير او انه نقيض للانتماء, لكن المتابعة لهذا الموضوع في مئات المدارس تشير الى ارتباك في البحث عن مئات الصور في كل مدرسة ومئات الخرائط واشجار النسب الهاشمي والأعلام, فمدرسة بعشرات الغرف الصفية تحتاج في كل صف الى خارطة وعلم وشجرة النسب وصور الملوك الراحلين رحمهم الله في اطر زجاجية, وهذا كله ليس متوفرا في السوق, كما انه يشكل تكلفة مالية على المدارس، لهذا لجأت الادارات الى الطلبة لتأمين جزء من الصور, وتم الاتصال مع التوجيه المعنوي والديوان الملكي والمركز الجغرافي, وهناك بعض الصور ليست متوافرة بكميات تناسب اعداد الصفوف, واحيانا نشاهد طلبة يأتون بصور قديمة لا يجوز تعليقها؛ لكن ماذا يفعل مدير مدرسة عليه تأمين كل هذه الكميات, ويخاف ان يتهم في انتمائه فيما لو اشار الى عدم قدرته او تقاعس في التعميم على الاساتذة والطلبة للمجيء بكل ما لديهم من صور.
الفكرة في جوهرها جميلة ولكن كان يمكن تحقيقها في ان تكون هذه الرموز الوطنية من صور واعلام وخرائط في ادارة المدرسة وغرف المعلمين والمكتبة والممرات وفي مدخل المدرسة, لكن حشو كل صف بصور وخرائط بعضها قديم واخر غير متجانس في الاحجام لن يحقق الغرض المطلوب.
ان صناعة الانتماء عملية تتجاوز الشكليات على اهمية بعضها, وغرس حب الوطن او الالتفاف حول قيادته والعلم الوطني عملية تربوية تحتاج الى منهجية تتجاوز تعليق الصور بكثافة وبشكل بدا وكأننا نكرر تجارب دول شقيقة لم تكن التماثيل فيها والصور الضخمة تعبيرا عن انتماء اهدرته امور اخرى, واتذكر في هذا المجال قصة حدثت في النصف الاول من العقد الماضي حينما قررت امانة عمان إقامة تمثال للحسين رحمه الله ووضعه على مدخل رئاسة الوزراء ويومها استجاب الملك رحمه الله لاصوات العقلاء الذين لا يشك في انتمائهم لهذا البلد, لكنهم لم يرغبوا ان يذهب الاردن في مسار سلبي تمارسه دول محيطة من حيث التماثيل وتضخيم الشكليات والابتعاد عن الجوهر.
لعل من القضايا التي تبحث الدولة عن حلول حقيقية لها تعزيز حالة الانتماء وبناءه في الاجيال بشكل منهجي, وهو جهد مطلوب لكننا احيانا نستغرق في غير الاتجاه السليم سواء في الإعلام او التربية او التعليم العالي او التوجيه, وربما بحسن ظن مارست حكومات سياسات تركت اثارا سلبية على مفهوم الانتماء؛ وكم هم الذين تولوا مواقع صغيرة وكبيرة وجلسوا تحت العلم لكنهم لم يحفظوا ما عليهم ومارسوا من التقاعس وتجاوز القانون ما يتناقض مع ابسط حدود الانتماء، وكم هم الذين امتطوا صهوة البلاغة والانشاء عن الانتماء والولاء لكن الامر لم يكن بالنسبة لهم اكثر من تجارة وبحث عن منافع ومصالح.
فكرة الوزارة ايجابية من حيث المبدأ؛ لكن دون مبالغة او تكثيف يخرج بها عن جوهرها, ودون ان تحمَّل ادارات المدارس عبء جمع الصور من الطلبة والمعلمين, وحمل هم ايجاد بقية الطلبات. كان على الوزارة ان تتعاقد مع احدى المطابع وترسل للمدارس الصور والخرائط وشجرة النسب الهاشمي بأعداد تحقق الهدف لكن بشكل معتدل ومعقول ودون ان نكرر تجارب غير ناجحة في دول اخرى من المبالغة بل التصنع الذي يوحي بعكسه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة