جلوة أكثر من 70 أسرة عن منازلها بعد جريمة قتل ذهب ضحيتها شاب خلال الانتخابات الاخيرة. هذا الخبر الحارق يشعرني أننا ما زلنا نسكن بيوت الشعر (نهدُّ ونرحل) بغمضة عين. وأننا نعود القهقرى لقبل قيام الدولة وقانونها.

أعتقد أن حرباً صغيرة لا تخلف هذا العدد المهول من المهجرين عن بيوتهم ، ولكن عرفاً قديماً ما زال يتمسك بـ (الجلوة) يستطيع أن يفعل هذا وأكثر. فرغم أن حياتنا تغيرت وسكنا بيوت الحجر وصار لنا عنوان وجيران. إلا أن كل هذا يغدو هشيماً تذروه رياح الجلوة. وإلا فما ذنب 500 إنسان يهجرون عنوة عن بيوتهم وجذرهم؟.

وبعد هذا علينا أن نتخيل كم طالباً سيغير مدرسته؟، ، وأصدقاءه ، وطقوس حياته ، دون أي ذنب سوى أنه من (خمسة القاتل) أو عصبته ، أو عشيرته؟، ، وكم موظفاً سيغير مكان وظيفته أو سيفقدها؟،. وكم مزارعاً سيترك حقله ويبيع حلاله؟. رغم أن القاتل واحد ومعروف وعليه أن يدفع ثمن جريمته وحده بيد الدولة. لكن الثمن يدفعه الجميع دون استثناء حتى للوليد المقمط بالسرير ، تمشياً مع قاعدة (لا تزر وازرة وزر أخرى).

لو أننا ما زلنا نسكن بيت شعر لقلنا آمين ، فما أسهل أن نشلع البيت من جذوره ونحمله على ناقة ونقول بلاد الله واسعة. ولكن الزمن تبدل ، ولم يعد للجلوة ما يبررها ، ففي زمن مضى كان يفرض على أهل القاتل الجلاء: ليلوذوا بعيداً عن أعين أهل القتيل خوف الثأر ، الذي لا يجلب إلا ثأرا آخر. ولكن اليوم ومع تطور المواصلات والاتصالات. هل بات صعباً أن تجد من تريده بسهولة ويسر. إذن لماذا نتمسك بهذا العرف ؟،.

سيقول قائل إن أمر الجلوة يبدو منطقياً وعادلاً في ضوء حياتنا الراهنة ، فنحن عشائريون حتى في السياسة وظلالها. وإلا ما معنى أن تنطلق مواكب الأفراح بألف سيارة أو أكثر ، بعد أن أصبح واحد من العشيرة وزيرا (وهو منصب سياسي). وما معنى أن تقام الليالي الملاح لأن آخر صار عيناً في مجلس الأمة؟،. فمن يجني في المغنم عليه أن يدفع في المغرم.

أنا مع العشائرية حينما تسهم في بناء الدولة وتمتن قواها ، وتخلق أواصر المحبة بين الناس ، وتطيّب الخواطر في المعضلات والجرائم ، بعيداً عن المساس بهيبة القانون. لكن أن يتحول معول العشيرة إلى هدم ما أنجزته الدولة طيلة عقود مضت ، فهذا ما لا يقبل. وسأسأل بوجع متى تنجلي عنا..الجلوة؟،.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية