القرد الأليف الذي راقب سيده ، وهو يرصُّ طاقماً كبيراً من حبات الكستناء اللامعة على صفيحة المدفأة ، ليشويها سهرة للمساء ، أثاره المشهد اللذيذ ، وفتحت شهيته رائحة الشواء ، ثم انتشى طرباً على الصوت الموسيقي الذي تعلن به كل حبة كستناء عن نضجها الطيب ، طيبة كستناء الشتاء،.

استغل القرد غياب صاحبه لبعض شؤونه ، فحاول أن يقطف حبة كستناء عن رأس المدفأة بعجل، فلسعته فيهرب راقصاً ألماً ، واضعاً أصبعه بفمه عله يبرّد حره ، وبعدما أن هدأ الوجع فكر بحيلة صغيرة لن تكلفه إلا بعض اللطف غير المعهود ، فبسبس للقطة الصغيرة بحنان وتودد ، فأتته طائعة ، فقبض على يدها بعنف ، وراح يسحب بها كل حبات الكستناء المرصوفة فوق صفيح المدفأة.

لم يكن أمام القطة إلا أن ماءت مع وجعها الحارق في ركن قصي ، فيما هفهف القرد على حبات الكستناء وملأ بها بطنه بسرعة الجشع ، وحين عاد سيده هاله الأمر. من أكل كستنائي؟،. القرد كان منشغلاً بالتحلاية بأصابع الموز ، مبعداً عنه التهمة. أما القطة التي كانت قابضة على يدها المحروقة بوجع ، فقد نالتها ركلة أرض.. ارض أوصلتها أبعد حاوية في الشارع: فيدها المحروقة دليل لصوصيتها،.

ربما سنختلف على أسماء القطة ومسمياتها ، فهي (البسة) في مصر ، و(البسينة) في الشام ولبنان ، وهي (البزونة) في العراق ، وربما سنختلف على مسميات الكستناء وأنواعها ، هل هي (أبو فروة) كما يسميها المصريون؟، ، أم (شاهبلوط) كما يدعونه الفارسيون؟، ، أم هي الكستنة باللاتينية ، أو القسطل باليونانية؟،.

ولكننا حتماً سنتفق أن القرود البشرية ، هي الأخطر من قرود الكستناء. فكثرون من لصوص هذا العالم المتحضر ، يتخذون أيدي الضعفاء أدوات لينالوا مآربهم ويملأوا بطونهم التي لا تمتلئ. إنهم يفعلون ذلك رغم مواء الموجوعين ووجعهم. فما دامت التهمة ستوجه إلى غير أياديهم، ، فهم سيكونون في مأمن ، يحلّون بأصابع الموز ، بعد وجبة من الكستناء.

هل نلوم المدفأة أم صاحبها الذي غفل عن كستنائه؟، ، أم نلوم القطة التي اقتربت من قرد لم يعتد من قبل على اللطف؟،. أم سنقول متوجعين: إن القرود البشرية قادرة على إخراج أي شيء من فم النار بأي شيء ، حتى ولو كان لسان عصفور ، أو جناح فراشة ، أو اصبع طفل. فالعقلية اللصوصية خارقة للمألوف. وياما حنشوف،.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية